عبدالرحمن الحبيب
منذ عقدين من الزمن ومواقع البحث (وفي مقدمتها جوجل) والمنصات الإلكترونية تستحوذ رويداً رويداً على الإعلانات من المؤسسات الإعلامية المقروءة والمتلفزة حتى أفلست كثير من هذه المؤسسات.. كان الإعلان الرقمي بقرة حلوباً تدر الأموال على جوجل، وكل سنة تنمو أعلى من سابقتها، إنما الآن يبدو الوضع في بداية التغير حيث تتحول الإعلانات إلى منصات جديدة.. الآن المشهد يتغير تدريجياً، فالطريقة التي يبحث بها الناس عن الأشياء على الإنترنت تتغير..
حالياً، نقطة الانطلاق في البحث للمتسوقين عبر الإنترنت، كالتالي: أمازون: 50 %، جوجل: 31.5 %، مواقع البيع بالتجزئة أو العلامات التجارية: 14 %، مواقع المراجعات: 2 %، وسائل التواصل الاجتماعي: 2 %، حسب استطلاع PowerReviews (مارس 2023) الذي وجد أيضاً أن التعليقات والتقييمات يمكن أن تؤدي إلى إجراء عملية بيع أو عدمها أكثر من أي عامل آخر، بما في ذلك سعر المنتج والشحن المجاني والإرجاع والتبادلات المجانية والمزيد. وكانت الخلاصة أن أمازون تواصل كونها محرك البحث عن المنتجات للمستهلكين، كما أن التقييمات والتعليقات هي الأساس. هذا يعني أن الإعلانات ستتوجه إلى منعطف جديد..
لا يزال هذا المنعطف في بدايته، حيث الحصة عبر الإنترنت من إجمالي الإنفاق الإعلاني وصلت إلى الثلثين، لكن تتوقع شركة انسايدر انتلاجنس، وهي شركة بيانات، أنه في السنوات القليلة المقبلة ستزيد المبيعات العالمية للإعلانات الرقمية بنسبة 10 % أو أقل سنويًا، بانخفاض عن معدل 20 % أو نحو ذلك في العقد الماضي. هذا التباطؤ العام في النمو يقدم لمحة عن المستقبل، مما أثار مخاوف المستثمرين.
بطبيعة الحال لا تزال مواقع البحث مربحة للغاية، لكن الطريقة التي يبحث بها الناس عن الأشياء على الإنترنت تتبدل نحو مسار مختلف. لا تبدأ معظم عمليات النقر أو البحث عن المنتجات هذه الأيام على جوجل بل على أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية وفقًا لمبحث بيرنشتاين. وحسب المديرون التنفيذيون في جوجل، يسعى 40 % من المراهقين والشباب للحصول على توصيات لأشياء مثل المطاعم أو الفنادق على تيك توك، أو تطبيق فيديو قصير، أو انستجرام، وهو تطبيق مشابه من ميتا (فيس بوك). قد تغري جوجل بعضًا من الذين لا يستخدمون مواقع البحث عبر تطوير مقاطع اليوتيوب، ومع ذلك، فمن غير المرجح أن يتم تحقيق الدخل من مقاطع الفيديو بشكل جيد مثل منصات البحث.
لا تزال هناك براعة تكنولوجية في الروبوتات والذكاء الاصطناعي التوليدي الذي ينشئ مجموعة متنوعة من البيانات، مثل الصور ومقاطع الفيديو والصوت والنصوص والنماذج ثلاثية الأبعاد، لكن ليس من الواضح مقدار الأموال التي ستجنيها، تقول الإيكونيميست إنه بالنسبة إلى البحث، فإن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يبشر بالضرورة بوفرة مالية. اليوم، يتم الدفع لشركة جوجل عندما ينقر المستخدمون على الروابط المؤدية إلى المواقع التجارية التي تظهر بجوار الردود على طلبات البحث. إذا كانت الدردشة مع الذكاء الاصطناعي تبدو طبيعية وجذابة، فلا يمكن أن تتخللها الإعلانات والروابط. يمكن أن تعرض جوجل إعلانات أقل وتفرض رسومًا أكبر على العملاء، لكن المعلنين قد يرفضون أو الأسوأ من ذلك، أن يقاطعوا التعامل مع جوجل.
تعمل جوجل على الدخول في مشاريع جديدة مثل التمويل والحكومة والرعاية الصحية.. فلدى الفابيت (التابع لجوجل) شركتان تابعتان للصحة، كما أصبحت جوجل واحدة من أربعة مزودي خدمات كلاود.. في مجال التمويل، تقدم محفظة رقمية، واستثمرت في مواقع مملوكة لمقارنة الأسعار للتأمين والرهون العقارية..
بمجرد حل المشاكل التكنولوجية مع الذكاء الاصطناعي التوليدي، في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، يعتقد الخبراء أنه سيكون أمام جوجل خيارٌ، يذكرنا بـ «معضلة المبتكر»، وهي نظرية طرحها كلايتون كريستيانسن والتي تجادل بأن شاغلي المناصب يترددون في الابتكار إذا كان يعرض أسواقهم الحالية للمجازفة. التجديد يأتي بمجازفة كبيرة، إذ لا يزال المستثمرون والمحللون متشككين بشدة في رهان مارك زوكربيرج (فيس بوك) على ميتافيرس، كما أمضت أبل ومايكروسوفت سنوات في التيه قبل العثور على طريقة ثانية.
لذا، السيد بيتشاي (الرئيسي التنفيذي لجوجل) ومساعدوه يختارون التدرج بدلاً من ذلك. تقول الإيكونيميست مع اقتراب شركة جوجل من ربع قرن من الزمان، فإنها، مثل شخص في منتصف العمر يُطلب منه أن يراقب ما يأكله بعناية أكبر، مصمم على التخلص من الشحم وتجنب السلوك المحفوف بالمخاطر والبقاء منضبطًا. إذا نجحت هذه الجهود، كما يعتقد أحد المساهمين، يمكن أن تستمر في زيادة أرباحها النهائية حتى لو تباطأت المبيعات الإجمالية، مما يضمن بقاءها مربحة بشكل تحسد عليه. ومع ذلك، سيتم وضع النهج التدريجي على المحك، لا سيما مع تقدم الذكاء الاصطناعي والتوليدي وغيرها.. كما سيتطلب ذلك براعة تجارية أيضًا، فقد عرضت جوجل هذا في وقت مبكر، عندما طورت نموذج الأعمال على شبكة البحث.. إذا لم يُجدِ ذلك نفعاً عليهم مع بزوغ فجر الذكاء الاصطناعي، فهناك الكثير من المنافسين الجياع متحمسين للافتراس.