د. محمد عبدالله الخازم
أعلنت في وقت سابق عن توقفي عن الكتابة الصحفية لأسباب متعددة منها؛ الشعور ببعض الملل، نقص التفاعل الاجتماعي والرسمي مع ما نكتبه، بروز صعوبات وظيفية ذات علاقة بكتابة الرأي، غياب العائد المادي (كأحد عوامل التحفيز) وغير ذلك من الأسباب. قد تكون أسبابًا كبرى في الحياة أو أنني مجرد «أصنع العاصفة في كوب ماء».
التزمت بالتوقف عن الكتابة لبعض الوقت وكان ذلك مفيداً في إصدار أعمال أخرى وفي البعد عن بعض مناطق التوتر وتجاوز الصعوبات العملية بسلام. لكنني لم أصبر أو لم التزم بالتوقف حتى النهاية، فها أنذا أعود لكم متردداً هل ستكون عودة دائمة أو متقطعة. السؤال، لماذا عدت؟
السبب الرئيس للعودة للكتابة هو العادة، حيث الكتابة الصحفية أحد عاداتي التي استمرت لأكثر من ربع قرن، لم تنقطع حتى في أحلك الظروف والانشغالات، حينما حاولت التوقف عنها لم أكن قوياً بما فيه الكفاية. كل من أدمن على عادة يعرف صعوبة التخلص منها. وطبعاً، العودة تكون أسهل لمن لا يغيب كثيراً عن الساحة. «الكتابة عادة» هذا هو السر الأول في استمرار الكاتب، وهذا ما أقوم بتأكيده في ورش الكتابة أو النصائح التي أقدمها لمن يسأل عن أهم فكرة في استمرارية الكتابة، لكي تكون كاتباً عليك تطوير عادة الكتابة. أفكار عظيمة في هذا العالم لم نستفد منها لأن أصحابها لا يجيدون الكتابة، وأخرى متواضعة وجدت طريقها للتنفيذ بسبب كتابتها بشكل جيد.
هناك أسباب أخرى محفزة أذكر بعض أمثلتها مع خشية تهمة الغرور، مختصرها أنني وجدت أن هناك من يهتم بما نكتبه، بانت مشاعرهم عندما توقفنا. في هذا المجال أعتقد أننا - كمجتمع - بخلاء في التشجيع والتحفيز، ولا نبدي مشاعرنا سوى بعد افتقاد الشيء.
المقربون يكون سؤالهم عن الغياب من باب المحبة، لكن هناك آخرون لمتابعتهم قيمة مهنية ومعنوية كبرى حينما يلحظون غيابي، كمؤشر متابعتهم لما أكتبه. أعتز بتعليق أحد أصحاب المعالي في جامعاتنا: «أنت صوت مهم تطرح أفكارًا مهمة تستحق النقاش والتأمل، نتفق أو نختلف في بعضها لكننا نحرص على قراءة ما تكتبه، أرجوك لا تتوقف». وبتعليق طالبة دكتوراة نقلاً عن أستاذها «أقرؤوا مقالات هذا الكاتب - يقصدني- فهي تحوي أفكارًا مهمة تساعدكم في بحوثكم». وتعليقات أخرى، بغض النظر عن درجتها، مجاملة أم حقيقية، فهي محفزة...
بقي سؤال، لماذا عدت للكتابة في الصحيفة اليومية، في ظل تعدد وسائل النشر؟
ليس هناك سبب محدد، سوى أنها الوسيلة التي اعتدتها وفي النهاية جميع الوسائل تتكامل والفكرة الجيدة تنتقل من وسيلة إلى أخرى. وربما، هو عدم الاهتمام بفكرة الانتشار الذي توفره وسائل أخرى، أو رغبة البقاء في منطقة الراحة بدلاً من المغامرة في وسائل أخرى لا تجيد أسرارها. المهم هو أن تعبر في الوسيلة التي ترتاح لها.
شكراً لجريدة الجزيرة ورئيس تحريرها على ترحيبهم الجميل بالقول: الجزيرة بيتك، أبوابها مفتوحة لك أي وقت تشاء.
ختاماً، أستعير مقولة أعظم لاعبي العالم، ميسي؛ «الجسد لم يعد يساعد» في الاعتراف بأثر الزمن على الأداء. سأجتهد في كتابة وتقديم ما هو مفيد وممتع ومثير، مع مراعاة أن لكل مرحلة ظروفها وأحكامها. لا تستطيع القيام بلعبة «دبل كيك» في الخمسينات من عمرك كما كنت تفعل في العشرينات.