د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أؤمنُ كثيراً بهذه الفلسفة التي اكتنز بها عنوان المقال فالكتابة لا تبدأ من الصفر حتماً حيث تتبرعم من خلال حضور قوي لثقافة الكاتب السابقة والمعاصرة وخبراته فهناك ذوبان في ذاكرة الكاتب بمثابة الخزن الإستراتيجي يستدعيه الكاتب لدعم مشروعه, والكتابة بمفهومها العام ساحة تحدٍّ ذاتي، ولكنها وثيقة بالمتلقي وتشجيعه، وترقّبُه الحاني, ويقيناً فإن لكل كاتب نسخة واحدة ولكل قارئ نسخته الخاصة، وحتماً يعي الجميع أن الكاتب ذو حق في تحمل مسؤولية ما كتب, وتأويل النصوص مدخل للإبداع، ولا يمكن أن يتكون إلا من خلال مراحل قرائية، تؤسس للفهم الصحيح.. وكثير من القراء يقبلون على القراءة من خلال مكون ذهني مسبق عن شخصية الكاتب، ومنهم من ينقد بعينه المتجردة, ويبقى حدوث الدهشة مطلباً في الأعمال الكتابية تتحقق من خلالها متعة التذوق وتترك أثراً خالداً في ذاكرة المتلقي، تلك الذاكرة المليئة بالحكايا والشخوص، وذلك العالم الممتلئ بتفاصيل من سكن فضاءات الكاتب وسكنته بكل ما قد يحيطها من إلهام العبور المكتمل لشواطئ الأعماق، وتأتي الدهشة من مبدع أرهقه التمني, ولم يكن لنصوصه عثرات أولى، إنما قد يجدها طريقاً آمناً لصياغة وجدانه، وعلى الرغم من بساطة بعضها فإنها تحتضن مكوناً نابضاً، يحقق الدهشة التي يظل المتلقي يلاحق بكارة السؤال فيها عمن كان القول والمقال؟ ولمن؟ وبين الكثافة والشفافية قد ينتحر المعنى ويختنق، ولكن تبقى المعاني متواشجة في مرجعيتها مما يحقق الدهشة لدى المتلقي تجاه فطنة الكتّاب ووعيهم بالمحيط، وقدرتهم على ضبط الضمائر ليكون بثاً على الهواء مباشرة لإثارة دهشة تملك القارئ, وإن بدا الطرح في بعض صياغاته حاضراً على تخوم المباشرة, وإلى أن تحدث الدهشة والانبهار لابدّ للمتلقي من مراقبة كثير من إشارات النص التي ربما تماستْ بقوة مع هيمنة الذات الآسرة، وبذلك تبنى الحياة وتهدم، وعلى هذا النحو يبدو بعض الكتاب أصحاب طقوس يريدون بها بوحاً لابدّ من الاقتراب منه، ويكون عادة معادلاً موضوعياً لمعاني الأمل المختلف عندهم، حين تتحقق الدهشة مما دار ويدور في فضاءاتهم. ولذلك فإن الكاتب يجعل مركزه الإنسان فحسب, والكتابة مصدراً للمعرفة الإنسانية وإن تباينت مستوياتها وتكون خلاصة إعلانية في بعض طروحاتها، ولعلي أخص الكتابة الصحفية التي باتت على حدودي؛ وكنت قد أصدرتُ حكمي عليها قبل أن يدخل هواؤها العليل من نوافذي؛ كنتُ أراها كتابشغوفة بالأحاديث الفوارة وتكرارها، ولكنني عندما تحولتُ إلى أرضها الخصبة رأيتها تستقبل العالم بأسره كل يوم.. وحقيقة هي منصة ثقافية تنصب أمام القراء تقدم عروضها، والذكرى الأوضح في الكتابة الصحفية هي ذلك المضمار الطويل الذي يسير عليه الكاتب، ولكل أسبابه في اختيار المغامرة والرحلة، والأهم من ذلك الاختيار ماذا يريده الناس؟.. وما يستطيعون تناوله؟.. وتبقى المهمة الكبرى للكاتب الصحفي أن يمنح المكونات المعرفية شعاعاً خاصاً في وسائطنا الإعلامية تتصدرها الصحافة,
رحم الله عبدالله بن خميس فقد حكم واحتكم في شأن الكتابة الصحفية ومما قال:
صدقوا ومأثور الهُداة هِباتها
قالوا صحافة أمة مرآتها
بظلال أقلام إذا ما جُرّدَت
مَطَرَت مرَوّق صَوبِها عَذَبَاتُها