الزمن اللُّغويّ هو محصلة لدلالة الصيغ والتراكيب أثناء السياق، والزمن الماضي يسير وفق محددات تظهر من خلال النصوص، مثل الصيغ الصَّرفيَّة (فَعَلَ) ككَتَبَ، ودَرَس، ولعلَّ هذا هو الأصل؛ لكون الزمن يتحدد من خلال الصيغة نفسها دون القرائن اللّفظيَّة أو المعنويَّة، ولعلّ هذا المغزى الأهم من تقسيم اللُّغويين القدماء الكلمة إلى اسم، وفعل، وحرف -كما ذكرت في المقال السابق-، وكذلك الطلب في صيغة (استفعل) نحو: استغفر وغير ذلك.
كما يتحدَّد الزمن الماضي عن طريق الأدوات كـ (لم) و(لمَّا) حيث يقلبان الزمن من الحاضر أو المستقبل إلى الماضي، الأول لنفي الماضي مطلقاً، مثل: (لم يكتبْ زيدٌ الدرسَ) والثاني لزمن الحال، مثل: لمَّا يكتبْ زيدٌ، فهو محددٌ.
وقد يتحدّد الزمن الماضي عن طريق النواسخ، نحو: كان زيدٌ يتكلمُ، إذ تتكونُ الجملةُ من فعلينِ وزمنينِ، لكنّ الزمنَ المعتمد يحدَّده الأسبق الناسخ؛ لخلوه من الحدث، فيه الزمن الماضي فقط، لذا نجد أنَّ الأوَّل كوّن الزمن والثاني كوَّن الحدث.
وحكاية الحال تُقرّر الزمن الماضي، وتُحوَّل سرد أحداثه إلى الحاضر، ومن خلال هذا يتحوَّل الحكمُ النَّحويُّ، كقوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه) على رأي بعض النُّحاة، ومثل ذلك رفع الفعل المضارع في (سرت حتَّى أدخلُ المدينة) لحكاية الحال لا المستقبل.
ولظرف الزمان كأمس أثرٌ في تحديد الزمن الماضي، ومن خلال ذلك يتحوَّل الحكم النَّحويّ، نحو: (سرتُ حتَّى أدخلُ المدينة أمس) ويدخل هذا في الزمن المعجميّ -برأيي- وقد يحوّل الظرف الماضي إلى الحاضر عن طريق (الساعة، واليوم، والآن) وإلى المستقبل عن طريق (غداً، وبعد غدٍ).
ومن محددات الزمن الماضي الضمائر، كضمائر الرفع المتحركة في (كتبوا الدرسَ) و(كتبتُ الدرسَ) والحروف الَّتي تشبه الضمائر كتاء التأنيث الساكنة في (كتبتْ هندٌ الدرسَ) فهي مبهمة إلّا في الزمن.
والمعنى من محددات الزمن الماضي كمعنى التحقيق والتأكيد في (قد) ودلالته على الماضي كقوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون) خلاف التقليل في المضارع كـ (قد يتكلم الرجل) ودلالته على المستقبل.
وعلى هذا، فإنَّ الزمن الماضي قد يكون صرفيّاً عن طريق الصيغ -كما مرَّ- وقد يكون نحويَّاً لا يجرّد من السياق، كدلالة الفعل (يسعى) على حكاية الحدث الماضي عن طريق الفعل (جاء) في قوله تعالى: (وجاء رجلٌ من أقصى المدينة يسعى) أو دلالة الماضي (أكملت) على زمن الحاضر عن طريق (اليوم) في قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم). أمَّا الزمن الماضي في المشتقّات فهو متنوع فقد يكون ماضياً مع اتصاله بالحاضر الدائم في (حَسَن الوجه) وقد يدل على الحاضر عن طريق المخاطبة كما في قوله تعالى: (قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم) كما يدلُّ على المستقبل في قوله تعالى: (إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة) وقد تدل المشتقات على مطلق الزمن في قوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ فالقُ الحبِّ والنوى).
** **
- د.فهد بن سالم المغلوث