د. عبدالحق عزوزي
تشير بعض التقارير الجادة إلى أنه بحلول عام 2030، سينهي 825 مليون طفل - أكثر من نصف أطفال العالم - المدرسة بدون اكتساب حتى المؤهلات الأساسية التي يحتاجونها للحصول على وظيفة... كما أشارت إلى أن أنظمة التعليم اليوم تفشِل جيلا من الشباب وتتركهم غير مستعدين للمستقبل، وفقا لاستطلاع عالمي شمل 10.000 من الشباب.
في البلدان الغنية والفقيرة على حدّ سواء، يُعدّ نقص الدعم المقدّم للمعلمين، والمناهج الدراسية القديمة، والافتقار إلى الاتصال الرقمي، بعضا من الأسباب التي تجعل الطلاب يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتنقل في عالم اليوم سريع التغيّر، بحسب استطلاع أجري في عشر دول؛ وتعكس النتائج ما يسمّيه الخبراء بـ»أزمة المساواة والجودة والملاءمة» في التعليم العالمي.
ويرسم الاستطلاع صورة مفزعة لحالة التعليم في جميع أنحاء العالم؛ فما يقرب من أربعة من كل خمسة شباب (77 في المائة) قلقون من احتمال ضعف التعليم الذي يترك ملايين الأطفال دون مهارات القراءة أو الكتابة الأساسية بحلول عام 2030؛ وقال 69 في المائة منهم بأن الفاعلين في أنظمة التعليم لا يفعلون ما يكفي لضمان حصول جميع الأطفال على تعليم جيد، بينما يعتقد 88 في المائة منهم أن هؤلاء الفاعلين بدل الخوض في مجالات غير مفيدة، بحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتمويل التعليم.
وفي وطننا العربي وللأسف الشديد توجد فجوات كبيرة بين ما حققته الأنظمة التعليمية، وبين ما تحتاجه المنطقة في عملية التنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة التي عليها مستقبل الأفراد والجماعات وحاجات الأمم المتعددة؛ كما أن أحد أسباب ضعف العلاقة بين التعليم وضعف النمو الاقتصادي هو انخفاض مستوى التعليم بشكل كبير ومقلق؛ وهناك تخلف للمنطقة العربية في اكتساب المعرفة ناهيك عن إنتاجها والإبداع فيها، ولذا فإن على كل مجتمع وقطر عربي أن يسعى إلى تطوير هذا المورد الإنساني الذي لا ينقص بل ينمو باستعماله...
فعلى المجتمعات العربية أن تكافئ بشكل جلي، اكتساب المعرفة وتوظيفها من خلال التعليم والتعلم والبحث والتطوير الثقافي، وجميع صنوف التعبير الأدبي والفني؛ ويجب تطوير البنى المجتمعية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للرقي بحظ المجتمع في اكتساب المعرفة الصحيحة ولإقامة مجتمع معرفي يصبو إلى تأسيس نمط إنتاج المعرفة عوضاً عن هيمنة نمط الإنتاج التقليدي ولإقامة مبدأ ناظم لجماع الحياة البشرية، ولتتحول الثروة المعرفية إلى رأسمال معرفي صحيح وقائم على أصول لا تحور ولا تبور؛ كما أن على الدول العربية التفكير في أولويات المرحلة وهي الاستثمار المثمر في العامل البشري والرقي به إلى أسمى معاني التطور والتكوين والتعليم والاستثمار الصحيح في البحث العلمي؛ ويجب الارتقاء بجودة تدريس العلوم والتقنيات على مستوى المناهج وفي جميع المسالك الدراسية، وذلك أيضاً بتشجيع النهج القائم على التجربة والملاحظة والتمييز والتفكير من أجل الحصول على استيعاب جيد للمعارف وتنمية الثقافة العلمية والتقنية... فالنشر المنهجي لهذه الثقافة، كما تؤكد ذلك بعض التقارير الدولية الجادة، ينبغي أن تصبح له مساهمة ملموسة في تنمية الأوطان العربية.
ولا يخفى على كل متتبع لبيب أن هناك ضرورة النشر الكامل للتعليم راقي النوعية، مع إيلاء عناية خاصة لطرفي المتصل التعليمي وللتعلم المستمر مدى الحياة؛ وهناك ضرورة توطين العلم وبناء قدرة ذاتية في البحث والتطوير الثقافي في جميع النشاطات المجتمعية؛ وهناك ضرورة التحول الحثيث نحو نمط إنتاج المعرفة في البنية الاجتماعية والاقتصادية العربية وتأسيس نموذج معرفي عربي عام أصيل، منفتح ومستنير، وهي أركان لإصلاح السياق المجتمعي لاكتساب المعرفة.
وهذا سيساعد طبعا على تسريع اكتساب القدرات الأساسية على التعلم الذاتي وملكات التحليل والنقد المؤسِّسة للإبداع والابتكار في الوطن العربي، وسييتحول بذلك هدف التعليم العالي في البلدان العربية من مجرد تخريج متعلمين يحملون كماً من المعلومات سرعان ما يبلى إلى إعداد مواطنين لمجتمع المعرفة، قابلين للتعلم الذاتي والمستمر وقادرين عليه... وبذلك نكون قد حققنا وسائل للتغيير نحو الأنماط المجتمعية المتقدمة التي تسمح، ليس فقط بتملك أدوات العلوم الحقيقية، بل أيضاً بزيادة قدرتها على التحكم والسيطرة على نمو المجتمع الاقتصادي. فالتنمية عملية شمولية تتكامل فيها عدة عوامل، وهي بالتالي عملية مخططة ومحكمة تحدث تغييراً جذريّاً في بناء اقتصادي قوي.