سهوب بغدادي
الرزق اسم لما يسوقه الله إلى الإنسان والمخلوقات جميعها على أوجه عديدة من أبرزها الطعام، والشراب، والملبس، والمال، وقيل في معاني الرزق استنادًا إلى المعاجم اللغوية، «رزَقَ يَرزُق ، رَزْقًا، فهو رازِق، والمفعول مَرْزوق، رَزَقَهُ رِزْقاً: أعْطَاهُ إيَّاهُ، مَنَحَهُ وَأكْسَبَهُ إيَّاهُ، رَزَقَ الطائرُ فَرْخَهُ، رَزْقاً: كَسَبَ له ما يَغْذُوهُ، ما زال حيًّا يُرزَق: صحيحًا مُعافًى، الرِّزْقُ الشَّهْرِيُّ : أي الرَّاتِبُ الَّذِي يَتَقَاضَاهُ العَامِلُ أوِ الْمُوَظَّفُ، اِرْتَزَقَ اللَّهَ : طَلَبَ مِنْهُ الرِّزْقَ، اسْتَرْزَقَهُ : طلب منه الرزق» إن تعدد نطاقات معنى الرزق تدل على تنوع وتعدد أنواع الرزق، فعندما ننظر إلى كل معنى وتعريف على حدة نجد سياق مختلف عن الذي يليه، كالمأكل والمشرب والملبس، والمال بتعدد وسائل الحصول عليه، والصحة والعافية، كما تجدر الإشارة إلى أن الرزق قد يكون سهلًا وهينًا في وصوله للمرزوق، وقد يكون رزقًا يستلزم السعي والعمل الدؤوب والأخذ بالأسباب، ولا نعلم أي المجالات تتطلب السعي ولكن يسأل الشخص من الوهاب الرزاق أن يجعل رزقه سهلًا دون كد أو تعب، فليس الرزق بكميته إنما ببركته، كما يُقال هناك رزق تطلبه ورزق يطلبك، باعتقادي أنه لا وجود لمصطلح «حظ» أو «صدفة» في حياة المؤمن، باعتبار أن كل شيء مقدَّر ومكتوب للشخص، فهناك أرزاق موزعة على البشر من الكريم كحسن الخلق، والصلاح، والقدرة على القيام بالطاعات، والأصدقاء الصدوقين، العمل، والفراغ النافع، والحب، نعم، حتى الحب في قمة معانيه وضروبه رزق، عن عائشة رضي الله عنها (ما غِرْتُ علَى نِسَاءِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلَّا علَى خَدِيجَةَ وإنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا. قالَتْ: وَكانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فيَقولُ: أَرْسِلُوا بهَا إلى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قالَتْ: فأغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلتُ: خَدِيجَةَ، فَقالَ: رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إنِّي قدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا)، حقًا رزق الله رسوله بالحب والسند والصحبة الطيبة والرسالة والقبول من البشر في أوقات مختلفة، وكل آتٍ الإنسان في أوانه، وما نراه اليوم في عصر السرعة وانكشاف العورات وحرمات المنازل والخصوصيات أن العالم يلهث نحو أنواع محددة من الأرزاق على سبيل المثال، المال والشهرة، و متعلقاتها، وكل ما يؤدي إليها، وبلعودة إلى أنواع الرزق، فالجميل في الرزق أنه خاص وشخصي بكل شخص، فمن على سبيل المثال، كأن ترى شخص محبوب لدى الخلق وكتب الله له القبول، ولكن لا يجد ذات الحب والقبول من دائرته المقرَّبة كالزوجة والأهل، فقد يستغرب الشخص ويتألم، إلا أن الله يعلم ما يحتاجه الشخص في وقته وزمانه وظرفه، وقس على ذلك في جميع نطاقات الأرزاق، وأقول قولي هذا ليس إلا لبث الأمل في النفوس والتأمل فيما مضى وحضر من نقص -بحسب رأي الإنسان ومنظوره- فكل الأمور رحمة وحكمة خفية لن يدركها الشخص سوى عند التوكل والتسليم لله، والعمل بالأسباب والسعي، وفي حين سعى الإنسان ولم يجد ما يطلب، فلا يعني ذلك انعدام الرزق وانحساره على الشيء المطلوب في حد ذاته، إذ يعد التفكر والتأمل الشخص في حاله مهمًا ثم شكر الخالق على نعمه الظاهرة والباطنة، فهناك رزق منسي لا يعرف سوى عند فقده -أدامه الله- أو عند التفكر فيه، وأذكر لكم بعض أنواع الرزق التي قد يغفل عنها الإنسان، كالأمن والأمان وعدم وجود حروب في بلاده، والمشي ليلًا دون خوف، والعلم النافع، والذرية، وبرهم له، والحكمة والتأني، والاتزان النفسي، وتطول القائمة، استشهد في هذا الموطن بمقولة لا أعلم قائلها يقينًا ولكنها جميلة «الرزق نوعان رزق تطلبه ورزق يطلبك فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك ولو على ضعفك، و أما الذي تطلبه فلن يأتيك إلا بسعيك وهو أيضاً من رزقك، فالأول فضل من الله والثاني عدل من الله» قالَ تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} جعلنا الله ممن يرزقون النعيم والبركة في الدنيا والآخرة من حيث نحتسب ولا نحتسب.