د. محمد بن إبراهيم الملحم
لن أقول هنا ما يريده الطلاب من حيث ما يتداولونه بينهم.. فليس كل الطلاب يعرفون أين تكون مصالحهم، وإنما يتناولون جوانب سطحية غالبا، فها هم حاليا يتحدثون عن أمل العودة إلى الفصلين بدلاً من الثلاثة، وما ذلك إلا لأن نظام الفصول الثلاثة أتى معه بجدول دراسي سنوي تقلصت فيه العطلة الصيفية مع أن الفصول الثلاثة (لو أحسن تطبيقها: أي دون إجازات مطولة وبتنظيم مسبق للمناهج وكتبها المقررة) هي في صالح الطلاب لأن محتوى المادة التعليمية التي يختبر فيها الطالب ستكون أقل، وهذا حاليا كلام نظري لأن الاختبار نفسه لا يمثل تحديا للطلاب لكون اختبارات المعلمين هذه السنين شكلية يجيب عنها أغلب الطلاب، بل يتفوقون فيها! ولهذا لم يدرك الطلاب والطالبات هذه الميزة للفصول الثلاثة بعد، ولن يدركوها ربما!
عموماً، «ماذا يريد الطلاب» من حيث حقيقة ما ينفعهم ويحقق مصلحتهم التعليمية، فهو ما تطرحه هذه المقالة، وتحاول أن تجيب عنه، ولنبدأ أولا بالمناهج، فالطلاب لا يريدون دراسة كم كبير من المحتوى دونما فائدة أساسية، فهناك نسبة من الموضوعات (في كل المواد تقريباً) يمكن الاستغناء عنها، ولايضر ذلك بإدراك الطالب لهذا الفرع من العلم ومعرفته بأصوله ومتطلباته، فعلى سبيل المثال جميل أن يتعلم الطالب مبادئ علم الوراثة وفكرة الجينات وأنواع الكروموسومات ولكن لماذا يبحر في تفاصيل حسابات الكروموسومات ومعادلاتها، وفي الفيزياء لماذا ندرس لطالب الصف الثالث المتوسط تاريخ نماذج الذرة بينما يمكننا الاكتفاء فقط بتدريسه شكل الذرة ومكوناتها كما هي حاليا، فلن يؤثر على الطالب ألا يعلم كيف أن شكل الذرة الحالي توصل له العلماء بعد عدة تصورات كان جزءا منها خاطئا كل مرة حتى تكاملت الصورة مع تقدم بحثهم واستكشافهم لها، وها نحن ندرس الطالب شكل البطارية الحالي مثلاً ولا نطبق ما فعلناه مع شكل الذرة بتدريسه، كيف بدأت النماذج المبكرة للبطارية والتي كانت تختلف عنها اليوم! وهكذا ستعثر على أمثلة مشابهة في بعض المواد الأخرى.
يريد الطلاب أيضاً معلمين متقنين لتخصصهم وقادرين على إيصال المعلومة ومدربين تربوياً وينافسون غيرهم في قدراتهم التدريسية (لكي ينافس طلابنا غيرهم في تفوقهم العلمي!) أما التدريس الشكلي والتسيب المهني والتراخي التربوي فهو وإن سر الطالب المهمل لكنه لن يسر الطالب المجتهد الطموح وليت شعري أي الطالبين نريد أن نحقق مطالبه يا ترى؟ كما يريد الطلاب مختبرات علوم وغرف ورش تعليمية للمواد الأخرى كي لا يقتصر تعلمهم على غرفة الفصل بسبورته وجدرانه الأربع فقط، يريدون أن يعملوا بأيديهم ويجربوا ويخطئوا كما يردونا أن نتقبل أخطاءهم، يريدون أن يمارسوا، ويريدون أن يكتسبوا المهارات، وعلى رأس ذلك أن يقوم كل معلم بتدريبهم ومساعدتهم، فلا يكتفي معلم العلوم بعرض التجربة عليهم في غرفة المختبر ثم يعودوا لصفهم، ولا ينبغي أن يكتفي معلم التربية البدنية بإلقاء الكرة لهم في الملعب وهم يكملون باقي الحصة بطريقتهم وعليه يقاس، كما يريد الطلاب إدارة مدرسة واعية تربوياً قادرة على متابعة المعلمين والطلاب وحل مشاكلهم ولا يريدون مديراً ووكيلا همهم حث المعلمين على تسهيل الاختبارات وزيادة العلامات، وأبرز اهتمامهم هو التعرف على أولياء أمور الطلبة المهمين وتكوين علاقات ومنافع مشتركة! يريد الطلاب معلمين لديهم هوايات يشاركونهم في الأنشطة اللاصفية ويدربونهم على صقل شخصياتهم الفنية والعلمية والثقافية والرياضية، وكذلك شخصيتهم الاجتماعية بشكل عام، وهو ما يحدث عندما ينخرط المعلم مع طلابه في أنشطة غير صفية ينتمي إليه الطلاب بشكل اختياري لملاءمتها لهواياتهم واهتماماتهم التي يحبونها ويريدون تطويرها، ليجدوا معلميهم الذين يشاركونهم نفس الاهتمام معهم يداً بيد يرتقون بهم حتى يشبعوا شغفهم ويحققوا طموحاتهم.
يريد الطلاب أنظمة تكفل حقوقهم التعليمية فلا يجوز أن يختبر الطالب ويحصل على درجة تمثل قيمة إجاباته التي وضعها على الورقة دون أن يعلم كيف ولماذا حصل على هذه الدرجة، فالتغذية الراجعة من الاختبار أهم من الاختبار ذاته، وهو ما لا يفعله المعلمون لأنه أولاً جهد إضافي، وثانيا هو يجلب لهم المشكلات مع الطلاب الذين لم يحصلوا على الدرجة الكاملة حيث ربما يدخلون معهم في نقاشات يكون المعلمون هم الخاسرون فيها في النهاية لعلمهم أن «تصحيح الإجابات» لم يكن مدققاً وممحصاً بالدرجة الكافية التي تصنع ثقة أمام مثل ذلك النقاش المتوقع! ولا تتوقف المشكلة هنا بل إن الاختبارات التي تجرى بمستوى أكبر من مستوى اختبار المعلم بواسطة جهات أخرى تعيش نفس الواقع تماماً وربما بنفس المبررات!
أعتذر عن الإكمال... فلو مضيت فيما يريده الطلاب فلن أنته، بل إن مقالاتي كلها التي كتبتها عبر السنوات السابقة في هذا العمود تعبر عما يريده الطلاب فعلاً، وأعتبر نفسي صوتا لهم، فهل هناك من يسمع صوت الطلاب ويستجيب لما يريدونه!
**
- مدير عام تعليم سابقاً