مها محمد الشريف
الصراع الروسي الفرنسي والأوروبي لا يقف عند أوكرانيا، بل من الواضح أن مصادر الطاقة أصبحت أهم ملف في هذه المواجهة، حيث يعد الانقلاب في النيجر وهي أكبر بلد تصدر اليورانيوم لفرنسا، وخطوة من خطوات عودة مخاطر توفير الطاقة لأكبر دولة في الاتحاد الأوروبي التي تعتمد على الطاقة النووية بشكل كبير، فأهمية دول إفريقيا للعالم الغربي كبيرة جداً، لأنها تعد من أغنى الدول من حيث الموارد الطبيعية كالنفط والغاز والمعادن، ولكن تبقى المنطقة أكثر فقرا من حيث التطور والتنمية، فإفريقيا وإن كانت قد تخلصت من الاستعمار، إلا أنها ظلت تعيش حالة من التبعية والارتهان للدول الأوروبية.
وعلاوة على ذلك، هناك ما هو أكثر أهمية وهو نضال الشعوب الإفريقية ضد الاستعمار والفقر والجوع والحروب الداخلية والانقلابات، بهذه الظروف الصعبة، تتجلى نوازع الأنانية الغربية الأشد فتكاً، بل إنها القوة الأكثر عمقاً، والدافع الأكثر تأثيراً الذي يفرض نفسه ويغذي الاشتباكات والنزاعات الاثنية والطائفية والحروب الأهلية والقبلية، في عالم يبدو أنانياً ونرجسياً، متصدع الأركان، يعمل على إشعال فتيل الصراع على الأراضي والمياه والثروات الطبيعية في كل مكان من القارة الأفريقية.
في هذا الوضع المنذر بتفجر الصراع ازداد التوتر بين العسكريين في نيامي ومجموعة «إيكواس»، وبين فرنسا، وروسيا ودول أخرى، فقد تكون النيجر محور صراع محتمل بين روسيا وفرنسا، فما انعكاسات ذلك على التطورات في القارة الإفريقية؟، وقد تكون روسيا تبحث عن إشغال أوروبا بمكان آخر غير دعم أوكرانيا، فالعالم محاط بالمصالح ويضطر هؤلاء للتفاهم مع روسيا على تقاسم النفوذ في إفريقيا مقابل ملف أوكرانيا، وخاصة بعد دعوة نيامي لفاغنر بالتدخل الذي حذر منه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو، من استغلال المجموعة الروسية للأزمة في النيجر لدعم القادة العسكريين الجدد، فهل باتت النيجر محورا لصراع محتمل بين روسيا وفرنسا، وما انعكاسات ذلك على التطورات في القارة الإفريقية؟
ففي مرحلة الحرب والانقلابات تتحالف دول في تفعيل دورها بالأحداث وتدخل في معركة النيجر وتعايش التطورات المتلاحقة وهناك دول أخرى لها مواقف دولية وإقليمية متباينة بشأن الأزمة في النيجر منذ الانقلاب العسكري، حيث ألقت فرنسا بكل ثقلها لدعم خطط المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إيكواس، التي هددت بتدخل عسكري لإعادة الرئيس محمد بازم للسلطة في الوقت الذي طالب فيه قادة الانقلاب مجموعة فاغنر الروسية بالتدخل لمواجهة هذه التهديدات.
ولاسيما بعدما قررت النيجر إغلاق المجال الجوي بمثابة ضربة اقتصادية قوية لشركات الطيران العالمية، بالتزامن مع منع الطائرات الأوروبية من المرور فوق ليبيا والسودان، البعد الإقليمي والدولي الذي تأخذه أزمة انقلاب النيجر يتفاقم يوماً بعد يوم حتى بات الأمر على مشارف تدخل عسكري من الدول الإفريقية المحيطة. فبعد انتهاء مهلة إيكواس التي منحتها دول غرب إفريقيا للجيش النيجري للتراجع عن انقلابه وإعادة العمل بالدستور أصبحت سيناريوهات الحل العسكري مطروحة من قبل كل من نيجيريا وبنين.
ولن يؤدي القرار الأخير في النيجر إلى عزل البلاد عن العالم، بل سيثقل كاهل شركات الطيران التي ستجبر على اتباع طرق بديلة، تضيف عليها في بعض الرحلات ألف كيلومتر، علماً أن النيجر تقع في قلب إفريقيا وفي منتصف الطريق بين أوروبا وجنوب إفريقيا، وتعتبر إحدى الوجهات الأكثر نشاطاً، ولذلك فإن هناك تداعيات وخيمة لقرار الانقلابين على الرحلات الجوية، واعتبر الرئيس الجزائري أن التطورات الحاصلة في النيجر تحمل تأثيرات خطيرة على بلاده، خصوصاً أن البلدين يشتركان في حدود على طول ألف كيلو متر.
ويبدو أن النخب السياسية والعسكرية ووسائل الإعلام في الغرب مهتمة بإفشال محاولة التغيير في إفريقيا، واستيلاء الجيش على السلطة، وهو سابع انقلاب تشهده منطقة غرب ووسط أفريقيا خلال ثلاث سنوات، وعلى رغم أنها واحدة من أفقر مناطق العالم فإنها تحظى بأهمية استراتيجية للقوى العالمية.
هناك انقلابان عسكريان في مالي وبوركينا فاسو لم يتم أخذ إجراءات بحقهما، لماذا النيجر بالذات، فهل هو اليورانيوم الذي تستورده فرنسا وتعتمد عليه في الطاقة الكهربائية، وثروات أيضاً مثل النفط ودورها المحوري في الحرب على المسلحين، حتى جعلها تحظى بأهمية كبيرة لدى الولايات المتحدة والصين وأوروبا وروسيا.
فالولايات المتحدة وأوروبا لم تقدم أي تنازل عن مصالحها الاستراتيجية ولا يبدو أنها عازمة على التراجع عن هذا النهج بتكريس هيمنتها على العالم وتوسيع مساحة العولمة على حساب البُلدان النامية.