د. إبراهيم بن جلال فضلون
إن «خسائر الحرب» تسببت في أزمات عديدة طالت الأسواق كافة، لا سيما سوق الطاقة والحبوب، إذ بلغت تكلفتها أكثر من 1.6 تريليون دولار العام الماضي بتأثيرات متفاوتة في دول العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، وكانت أقل حدة بالنسبة للدول المصدرة للطاقة، وأكثر حدة على اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل. لتلعب السعودية بثقلها الدولي منذ الوباء الكوروني نهاية 2019، وريادتها في قيادة العالم بدول مجموعة العشرين، وانتزاعها فتيل التفجير مع إيران وتعزيز روابطها الاقتصادية مع الصين، كل ذلك بسط لها الساحة بعد إصلاحات جمة برعاية صاحب الرؤية الحالم الأمير محمد بن سلمان، لتكون المملكة صاحبة القمم العالمية «مرجعية دبلوماسية دولية»، لها الدور المؤثر في أهم قضية للآن أثرت على كافة الجوانب الحياتية ألا وهي الحرب الروسية - الأوكرانية بطرفها الثالث الناتو.. من خلال قمة الجلوس مع كبار العالم وإدارة مسيرة السلام الدولي، وعلاقتها بأكبر التحديات التي أدت إلى اضطرابات الإمدادات والإنتاج على المستوى العالمي.. وحجمت من دور مجلس الأمن، وقسمت أعضاءه الدائمين، لتتبدل الأدوار والمعادلات.
لقد أنقذتهم المملكة بدبلوماسيتها وعلاقاتها بين كافة الأطراف في سبتمبر 2022 من إطلاق سراح أسرى الطرفين، لتُراهن على المضي قدماً نحو «سلام دائم» واتخاذ دور «الوساطة المُحايدة» عبر قوتها في إدارة تجمع «أوبك +» والحفاظ على أسعار الطاقة المعتدلة، رغم المطالبات الغربية بزيادة ضخ النفط للأسواق العالمية، وهو ما يُحسب للسعودية بتوازن علاقاتها مع الغرب وزعمائها كالرئيس الأمريكي جو بايدن الذي استعمل عبارة «دولة منبوذة» في مرحلة ما لوصف السعودية.. والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني دون فرض إملاءات على سيادة قراراتها.. وكانت خطواتها محسوبة ومدروسة كعاداتها بدأت من زيارة ولي العهد السعودي فرنسا في شهر يونيو الماضي ولاقت الوساطة ترحابا غربيا يدل أن السعودية مؤهلة بشكل كبير للعب الدور الرئيس في المفاوضات، رغم العقبات التي تتمثل بنودها في كبرياء كل طرف، بل ورؤاهم المُختلفة، فالجانب الروسي يريد أن تبدأ المفاوضات من دون التطرق للأراضي التي تسيطر عليها موسكو شرق أوكرانيا، فيما يتمسك الجانب الأوكراني بخطته للانسحاب العسكري المباشر.. وهو اختبار كبير إذا نجحت الدبلوماسية السعودية في اختراقه، يمكن طرح حلول وسطية قد تُرضي الجميع، بصيغة للسلام وجدت دعما أكثر من الداعمين بكوبنهاجن يونيو الماضي ولم يصدر في ختامها بيان رسمي، ويُشارك في قمة جدة ممثلون لنحو 40 دولة بحضور أعضاء كتلة «بريكس»، والصين بغياب روسيا..
إن التداعيات الاقتصادية الحالية مع اشتعال حرب السُفن، تمثل خطراً يهدد سلامة الملاحة والسفن، بل عصب الغذاء والطاقة للاقتصاد العالمي، مما قد يُؤدي إلى اختلال التجارة العالمية، وتدهور الأسواق كونهما أبرز دولتين في أهم السلع العالمية، فصادرات روسيا من الغاز الطبيعي نحو 25.3 في المائة والنفط الخام 11.4 في المائة والقمح 18 في المائة والبلاتينيوم 23 في المائة والنيكل 22.5 في المائة والألمونيوم 10 في المائة والفحم الحجري 18 في المائة والأسمدة 14 في المائة والبلاتين 14 في المائة، أما الاقتصاد الأوكراني رغم أنه ليس بنفس حجم الاقتصاد الروسي إلا أنه يحتل مكانة اقتصادية مهمة لامتلاكها الوافر للثروات الباطنية المهمة على رأسها خامات الفحم الحجري والحديد ومصادر الطاقة من الغاز والكهرباء والنفط، وامتلاك حوالي أكثر من 130 مصنعا لإنتاح الحديد، وتُمثل نسبة الصادرات الأوكرانية من الصادرات العالمية في زيت عباد الشمس والتي تقارب حصتها النصف من التجارة العالمية نحو 40.38 في المائة، والذرة 13.4 في المائة، القمح 5.25 في المائة.
وأخيراً: ربما قد تكون هذه المحادثات الأصعب في ق 21، ويمكن تسميتها بـ»الكوكبية» لإنفاذها العالم من حرب عالمية محتملة. فالسعودية اجتازت حاجز الثقة الدولية وفرضت الاعتراف الإيجابي بدورها الدولي رغم انتقاداتها ليشهد الكون بكائناته من هي السعودية.