د. أحمد العمري
سبقت المملكة الكثير من دول العالم، وعاصرت ظاهرة الذكاء الاصطناعي بإنشاء مركز دولي لأبحاث وأخلاقيات هذه التقنية الحديثة التي هي في طورها الأول، ومع ذلك فإن سرعة تطبيقات وبرامج الذكاء الاصطناعي شاهد على ما يمكن أن تصل إليه في المدى القصير فضلا عن المدى البعيد، ومن هنا فإن هذا الحضور والتواجد الفعال في هذه التقنية الجديدة والمتسارعة يتفق مع خطورتها وخطورة ما يمكن أن تؤدي إليه ما لم يتم وضع ضوابط ومعايير دقيقة وواضحة ومحددة تجعل منها وسيلة لتحقيق النفع والفائدة للإنسانية في بلادنا أولا وفي العالم من حولنا.
ولأن للأخلاق إطارا أوسع وأشمل من القانون لذا تم اختيار هذا المصطلح الإنساني والثقافي والاجتماعي ليكون جزءا من عنوان هذا المركز وسيكون أيضا جزءا من مهمته ووظيفته، فالأخلاق قبل القانون، والأخلاق تقيد القانون، وتضع المعايير المهنية في أي نشاط بالتوافق مع ما يتطلبه العمل الدولي، والتعاون العابر للحدود بين الدول والحكومات والمنظمات الدولية ومراكز الأبحاث العلمية والتطبيقية في هذا الميدان الذي ترى المملكة أنه لا يمكن أن يترك دون وضع معايير تتناسب مع الأهداف المشروعة، وفي الوقت نفسه لا يمكن الاقتصار على الجانب الوطني المحلي بل يجب توسيع النطاقات لتشمل جميع دول العالم وعلى الأخص تلك الدول المصدرة والمنتجة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة من برامج وأنشطة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي واعتبرها محل جهد دولي للعمل المشترك والتعاون الدولي وحث على التحرك السريع لوضع ضوابط ومعايير صارمة قبل أن تخرج هذه التقنية عن سيطرة الدول والحكومات، وهذا التحذير يأتي من أعلى منظمة دولية ومن سكرتيرها العام ما يعني بأن المستقبل القريب يحمل الكثير من السلوكيات السلبية التي يمكن أن تلحق الضرر بالجميع ما لم يكن هناك تعاون دولي وتفهم لما يجب فعله مسبقًا.
إن المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي سيكون له شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وسوف يساهم في تفادي تحول الذكاء الاصطناعي إلى ميدان يهدد أمن الدول ومصالحها، أو أن يكون ميدانا للجريمة المنظمة العابرة للحدود، حيث تتسابق الأيادي الآثمة في كل زمان ومكان إلى استغلال الوسائل الحديثة في توسيع نشاطها والتفوق على أجهزة إنفاذ القوانين والأنظمة في دول العالم، ولذا فإن المخاطر المحتملة بدأت في التشكل والتأثير في وسائل التواصل الاجتماعي باستخدام إبداعات الذكاء الاصطناعي وإمكاناته الواسعة جدًا وبالتالي فإن كل الميادين العلمية هي نطاق واسع للأنشطة غير المشروعة، وليس هناك دولة واحدة تستطيع مواجهة ذلك بل هو عمل دولي ضروري وحالي، ويجب تفهم مخاوف الدول من انفلات هذه التقنية من سلطة القانون الرادع محليا ودوليا.