أ.د.عثمان بن صالح العامر
حين تكون خارج الزمن، وليس لديك ما يشغلك، تجد متعة في تقليب صفحات ماضيك مكتوباً كان هذا الماضي أو أنه محفوظٌ في الذاكرة، مقالاً كان أو بحثاً، وربما مجرداً، شخصياً عشت تجربة العودة إلى الوراء هذا الأسبوع، وكانت لي وقفة مع مقدمة مقال نشر لي في هذه الزاوية يوم الاثنين السادس من ربيع الثاني عام 1428 للهجرة، وكان عنوانه (الرصاصة التي غيرت مجرى حياتي) جاء فيه (الرصاصة في دنيا الناس هي ذلك الجرم المادي المعروف الذي ينطلق كالبرق عندما يداس على الزناد، فينزف الدم سريعاً ليلطخ تلك الثياب ناصعة البياض، أو حتى شديدة السواد، وليسجِّل جريمة جديدة في سجلِّ الشر، ضحيّتها رجل رشيد أو طفل بريء وربما كانت أنثى لا تعرف للشرِّ طريقاً.. أمّا الرصاصة في نظري فهي ذات دلالة أوسع من ذلك بكثير، إذْ قد تكون كلمة أو قصيدة أو أنّها موقف عارض أو كتاب أو رواية أو قصة أو دمعة أو حادث أو موت أو أنّها.. من صروف الزمن وحوادثه العديدة والمتنوّعة، والأثر الذي تحدثه هذه الرصاصة المعنوية غالباً ما يكون عميقاً وغائراً في الصدر، ومؤثِّراً على صاحبه أشدّ الأثر وطول العمر، وربما نتج عن هذه الرصاصة اختلافٌ في المعتقد وتباينٌ في الأفكار والأيديولوجيات أو تبدُّل في العادات والأعراف وأنماط الحياة وتغيير في برنامج الإنسان وسيرته وسلوكه مع بني جلدته، وممن حوله من البشر، وربما مع أقرب الناس له أو... والقاسم المشترك بين هذا النوع من الرصاص، والرصاصة الحقيقية ذات الأثر الغائر في الجسد وربما القاتل: (السرعة، وقوة الاختراق، وعظم الأثر، وشدّة وقع الألم).
جزماً أيّها القارئ الكريم أنّك سمعت من قصص الرصاص هذا الكثير، وقد تكون أنت ممن أصابته هذه الرصاصة فأثّرت بك وغيّرت من سلوكك، وهناك من تعرّض لرصاص عديد ولكنه ما زال على سلوكه المعهود، أو أنّه تغيّر وعقد العزم على الاستمرار وما هي إلاّ أيام وإذْ به يعود، وهناك من ما زال بعيداً عن الرصاص محل الحديث والواجب عليه في نظري أن يحمد الله أولاً ويستفيد ثانياً من تجارب الآخرين ولا ينتظر حتى ترسل عليه رصاصة مقصودة أو يتعرّض لطلق طائش يهزه من داخله ويرسم له طريق النجاة والسعادة والاستقرار فالعاقل من اتعظ بغيره. دمتم بود والسلام.