سهوب بغدادي
«حديقة من غير ناس ما تنداس» مقولة متداولة منذ سنين طويلة، عند شعور الشخص بالوحدة أو الوحشة في مكان جميل، أو في الغربة والسفر ومواطن عديدة، وهي صحيحة نسبيًّا عندما نتفكر فيها، فمن كان في قصر فارغ يصدح فيه صدى كل خطوة يخطوها، فسيشعر بالوحشة، والتوق إلى الأنس والرفقة، وهذا ما نعاصره في يومنا الحالي، خاصةً مع وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أضحى الشخص برفقة العالم وهو بمفرده من خلال شاشة صغيرة، فيتحدث مع القريب والغريب، ويلعب ويتصفح وما إلى ذلك، حيث اختلف مفهوما الوحدة والرفقة، فليس بالضرورة أن تكون وحيداً وأنت بمفردك، فقد تكون تتحدث مع صديقك عبر مكالمة صوتية أو فيديو في عقر دارك، وقد تشعر بالوحدة وأنت متواجد بجسدك مع زملاء عمل أو أشخاص بعيدين كل البعد عن فهمك واهتماماتك على سبيل المثال لا الحصر، وتمتد الأمثلة المتباينة والمتناقضة حول الرفقة والوحدة، فمربط الفرس هو تعريف الشخص للمفهومين، ومعرفته ما يحب من عدمه، وأظن أن التوازن في الغياب والتواجد مع الأشخاص فعليًّا وافتراضيًّا أمر لابد منه، والأهم من ذلك كله، هو أن يجد الشخص الأنس بالله في بادئ الأمر، ثم مع ذاته، وكل من شخص يهرب من نفسه، فيقوم بتشتيتها عبر الألعاب الإلكترونية، والتطبيقات أو الأفعال المختلفة وإن كانت جيدة ومفيدة، لكن الشاهد في الموضوع هو أن يتصالح الشخص مع ذاته ووحدته عندما يشرع حديث النفس بالتأجج وتسمع الأصوات الداخلية تتعالى بداخلك، فتسيطر نفسك عليك وتتملكك الأفكار السلبية والأحزان والملامة على أمور سالفة وحاضرة ومستقبلية، البعض منا يمتلك القدرة والقوة على التعرف على «الذات» مثالًا أنا سهوب بغدادي، وأنا أعي ذلك عندما أكون برفقة أشخاص آخرين، ولكن هناك سهوب أخرى عندما تختلي بنفسها وتغلق الأبواب فقد تكون هي أقوى مني في بعض الأحيان فتلقي باللوم عليّ تارة وتذمني تارة أخرى، وقد أتغلب عليها أو أصل معها إلى وفاق ونقاط تصالح، بأن تدعني وشأني أو أن تستمع بصمت وتستمتع بعزف البيانو دون محاولة إقحام مواضيع خارجية لا تمت للحظة بصلة، ليس انفصامًا -بإذن الله- ولكنه الواقع فأنت أكثر شخص ستعيش معه وبرفقته وتصادقه، فعندما تعرف ما تحب وما تأنف منه وما تهتم وتأنس به ستنتقي لنفسك أفضل الأشخاص وتحيطهم بك في دائرتك.
«فَاهْرُبْ بِنَفْسِكَ واسْتَأْنِسْ بِوَحْدَتِهَا
تَعِشْ سَلِيمًا إِذَا مَا كُنْتَ مُنْفَرِدَا»
- (الإمام الشافعي).