د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تسارع الرياض إلى تكثيف حضورها في التكتلات الإقليمية ليس هو خروجاً من العولمة التي كانت نقلة ثورية في حياة الناس والدول، لكن بدأت أولويات الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة يجب أن تكون محلية لا كونية، وليس أمراً عادياً أن تدعو وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إلى تركيز التجارة والاستثمارات الأميركية على البلدان التي تشاركنا قيمنا، فهذا توجه خطير، فضلاً عن إغلاق حدود البلدان الغنية للتركيز على التجارة والاستثمارات المحلية والإقليمية سيؤدي إلى نوع من عولمة اللجوء، وأعلنت أمريكا عن قبول طلبات لجوء 30 ألف لاجئ في الشهر ورد 30 ألف يأتون بطريقة غير شرعية، ما يعني أنهم يعتبرون العولمة ضد الديمقراطية، وقد اتجهت العولمة الاقتصادية إلى تحرير التجارة عالمياً وفك الأطر الاقتصادية الإقليمية، ولا مهرب من العولمة، ولكن سيكون الاتجاه الأكبر نحو الأقلمة.
إن تبني السعودية الدخول في تكتلات اقتصادية إقليمية، من شأنه أن يؤدي إلى خلق بيئة مواتية للاستثمار والتجارة الحرة، لا سيما في ضوء اتساع حجم السوق لهذه التكتلات الإقليمية، وحرية تنقل عناصر الإنتاج وزيادة قوة التفاوض بين دول التكتل، بالإضافة إلى الميزة المكانية التي تحققها تلك التكتلات وبشكل خاص الصاعدة منها، التي تمثِّل محوراً مهماً وفاعلاً في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
شهدت العاصمة الإندونيسية، جاكرتا في 12يوليو 2023 بدعوة تلقتها السعودية من إندونيسيا توقيع السعودية رسمياً على معاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) لتصبح السعودية رقم 51 التي تنضم لهذه المعاهدة، وتضم دول آسيان إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند ثم تضاعف لاحقاً ليصبح 10 دول بعد انضمام كل من بروناي دار السلام ثم فيتنام وميانمار وجمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية وكمبوديا، اتفق قادة الدول في مايو 2023 في القمة الـ42 لرابطة آسيان في إندونيسيا على تعزيز استخدام العملات المحلية في التجارة والاستثمارات العابرة للحدود، ويبلغ حجم اقتصادات رابطة دول جنوب شرق آسيا العشرة 3.62 تريليون دولار في 2022 حسب بيانات البنك الدولي وتعد إندونيسيا أكبر اقتصاد بنحو 1.32 تريليون دولار، بينما بقية الدول التسع أقل من 500 مليار دولار، ووفق توقعات غولدمان ساكس سيصل اقتصاد المجموعة إلى 4.8 تريليون دولار بحلول نهاية العقد.
السعودية تعزّز قواعدها الجيوسياسية بمعاهدة آسيان، حيث شهد حراك السعودية الدبلوماسي زخماً خلال الأعوام الأخيرة لتكثيف حضورها الإقليمي والدولي تجسيداً لسياسات أعلنتها لتكون جسراً بين الشرق والغرب في سياق تحولات السعودية لاستثمار موقعها الإستراتيجي الذي يتوسط قارات العالم وهو النفط الحقيقي والمستدام لأنه غير ناضب.
السعودية في سباق مع الزمن فهي أكثر إصراراً على توسيع تحالفاتها لتعزيز جسور التواصل مع كافة الدول حول العالم بما فيه العمل المتعدد الأطراف وهو استكمالاً لدور الرياض ليس فقط الاقتصادي والتنموي، بل استكمالاً لدورها الريادي في تحقيق الأمن والسلم الدوليين، وتعزيز نهجها القائم على دعم الحوار، وتكثيف التنسيق المشترك، وتوطيد العمل المتعدد الأطراف نحو مزيد من الاستقرار لكافة الدول.
تأتي أهمية مجموعة الآسيان أنها على أبواب الصين وتحقيقها أرقاماً صاعدة في مؤشرات التنمية الدولية، حيث لا يزال التكتل يحتفظ بحيويته على رغم تراجع قفزاته الرائجة في العقدين الماضيين ويختلف عن الاتحاد الأوروبي في وجود عملة موحدة وحدود مفتوحة، لكنها سوق استهلاكية غير مستغلة، وفي ظل الاستقطاب الدولي الراهن بين أمريكا والصين ستجد الشركات متعددة الجنسيات مكاناً مناسباً لتنويع سلاسل التوريد الخاصة بها، هذا ما كشفه مؤتمر مستقبل الاستثمار الذي عقد في الرياض عام 2022.
فهذه الاتفاقية فرصة بين السعودية ودول آسيا لخلق مزيد من الفرص بين الجانبين ستسهم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز العمل المشترك وخلق فرص تنموية واقتصادية جديدة للجميع، لما تتمتع به السعودية بإمكانات اقتصادية ووزن دولي وإقليمي جعل منها صاحبة نفوذ بارز يمكنها توظيفه في كافة المجالات، يشترك الجانبان في أهميتهما الإستراتيجية والنمو الاقتصادي الذي يتسمان به، إلى جانب حرصهما على الحياد في القضايا التي تشهد استقطابا بين القوى.
السعودية بحاجة إلى إقامة علاقات مع جميع التكتلات لأنها قررت تحويل نفطها إلى بتروكيماويات من أجل الاستخدام الأمثل للموارد الهيدروكربونية، لأنه يعد الأسرع نمواً في الطلب على النفط عالمياً، وهناك تسارع في نموه خلال السنوات المقبلة بنسبة 60 في المائة حتى عام 2040، حيث تعد سابك رابع أكبر منتج عالمي للبتروكيماويات، كما أنها تمتلك جميع المقومات اللازمة لتنمية هذا القطاع بشكل أكبر مستقبلاً خصوصاً بعد تطوير حقول الغاز في السعودية وعلى رأسها حقل الجافورة لإنتاج أكثر من 630 ألف برميل يومياً من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات، وأكثر من 380 مليون قدم مكعبة قياسية من غاز الايثان، وهو ما يساعد على توفير فرص للتوسع بشكل أكبر في صناعة البتروكيماويات وتحويل 4 ملايين برميل يومياً من البترول والسوائل إلى بتروكيماويات في مشاريع محلية وعالمية، حيث تتضمن جميع مكونات سلسلة القيمة من البتروكيماويات الأساس حتى البتروكيماويات المتخصصة.