محمد سليمان العنقري
تنظيم القطاع العقاري عملية مستمرة منذ سنوات أعقبت تأسيس وزارة الإسكان التي تم ضمها مع وزارة الشؤون البلدية حيث تم أيضاً تأسيس الهيئة العامة للعقار والتي تتولى العديد من المهام التنظيمية في السوق منها إطلاق نظام الوساطة العقارية والإشراف عليه بالإضافة للعديد من المهام الأخرى ومنها العمل على تنظيم نشاط مهم وهو الاستشارات والتحليلات العقارية فهما أنشطة ذات صلة كبيرة باتخاذ القرارات الاستثمارية من قبل المطورين وأي منشأة لهم توجه لضخ استثمارات بالقطاع بالإضافة لقطاع الأفراد الراغبين في التملك أو الاستثمار بالعقار، فالقطاع يعد من الأضخم بالاقتصاد وله تأثير يفوق 12 بالمائة بالناتج الإجمالي غير النفطي ويساهم بدعم حوالي 110 أنشطة اقتصادية ويعمل بها ملايين الموظفين والعمال.
وبالعودة للائحة التي ما زالت مسودة فهي تعرف نشاط «الاستشارات العقارية بأن أي توصية أو رأي أو مشورة ذات صلة بالقطاع العقاري التي تقدم للمستفيد بأي وسيلة مرئية أو مسموعة أو مكتوبة أو نحوها» ويفهم من ذلك أن الاستشارات فقط لمن يطلبها بموجب اتفاق بينهما، أما «التحليلات العقارية فهي أي رأي أو تحليل متصل بالقطاع العقاري التي تقدم للعموم عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي أو نحوها «ويفهم منها أن أي طرح يندرج تحت تعريفها ويقدم للجمهور عبر الصحف أو القنوات الفضائية أو الإذاعات أو وسائل التواصل أي نشاط تحليل عام موجه للمجتمع عموماً، فهذه التوصيفات الواضحة للنشاطين مهمة بأنها توضح الفرق بينهما وإلى من يوجه كل عمل استشاري أو تحليلي اللذين يعتبران من روافد السوق المهمة لإيضاح الكثير من المعلومات والمساندة بفهم ما يجري فيه وكذلك المساعدة على اتخاذ القرار الأنسب من قبل المتلقي، لكن هناك حاجة أيضاً لإيضاح بعض النقاط التي وردت بمسودة اللائحة بداية في مجال الاستشارات فالرخصة تمنح لأفراد ممارسين للعمل تابعين لمنشآت أو لأفراد مستقلين واشترط أن يحمل مؤهل جامعي في تخصصات ذات علاقة مع خبرة 3 سنوات بأي نشاط عقاري وللهيئة الإعفاء من شرط المؤهل وفق معايير تضعها، فالسؤال ما هي الضرورة لشهادة جامعية إذا كان المجال مفتوحاً للاستثناءات منها بينما لم تستثن سنوات الخبرة مما يدل على أن الخبرة هي الأهم فمن الممكن إلغاء شرط المؤهل الجامعي بما أنه يمكن الاستثناء منه وزيادة عدد سنوات الخبرة لأن ثلاث سنوات لا تعد خبرة كافية لتقديم استشارات قد يبنى على أساسها قرار بضخ ملايين أو أكثر، فالخبرات تتراكم ليس بعدد السنوات فقط إنما بما عاصره المستشار من دورات اقتصادية وظروف متقلبة بالسوق، كما أن عبارة تخصصات جامعية ذات صلة غير واضحة ولا بد من تحديد التخصصات، أما في مجال التحليلات فالاشتراط أيضاً شهادة جامعية ذات علاقة بالقطاع وخبرة لا تقل عن 10 سنوات في ممارسة أي نشاط عقاري وهنا يبرز سؤال مهم حول قدرة أي عامل بالنشاط العقاري لتقديم تحليل وفق معايير مهنية ووضع مؤشرات دقيقة وتحليل البيانات فهل من عمل وسيطاً عقارياً أو مهندساً في الإنشاء والتطوير أو خبير تمويل عقاري وغيرها وتمرس بهذه المهن المهمة يمكن له أن يقدم تحليل مهني فنشاط التحليل معقد ويحتاج لخبرة طويلة مما يفرض تساؤل لما لا يتم تحديد معايير محددةللمحلل تأخذ الخبرات والقدرات بالمجال على وجه الدقة أي ليس كل من مارس نشاط عقاري يمكن له أن يقدم تحليلاً، بل فقط من عمل بهذا المجال لسنوات.
ومن المهم التنبيه الى أن اللائحة لم تمنح للهيئة الاستثناء في مهنة التحليل من شرط الشهادة الجامعية كما هو الحال بالاستشارات كما أن سؤالاً آخر يفرض نفسه: ماذا لو طرحت تحليلات وآرء وقدمت استشارات من محللين أحانب لا يقيمون بالمملكة عن السوق العقاري السعودي عبر وسائل الإعلام الخارجية أو التواصل الاجتماعي فهم لا يحتاجون لرخصة الهيئة فكيف سيتم ضبط التعامل معهم؟
أما الالتزامات للاستشارات والتحليلات فتضمنت عدة نقاط من بينها التحلي بالنزاهة والإخلاص وبذل العناية المهنية والتعامل بحياد وموضوعية مع المستفيد أو المتلقي وهنا نسأل كيف يمكن تحديد ذلك فهي توصيفات عامة لا يمكن القياس عليها وتحديد من يطبقها من عدمه إضافة ألى تضمين معلومات دقيقة بما يقدمه من خدمات متوافقة لما يصدر عن الجهات الرسمية أو المرخصة وهنا لا بد من التنبيه إلى أنه قد يتوافق بالبيانات الرئيسية لكنه بالتأكيد سيستخلص نتائج وفق رؤيته وخبرته من تلك البيانات أي لن تكون كل الآراء متوافقة مع بعضها حتى لو مصدر معلوماتها جهة واحدة فالاستقراء والاستنباط هي صلب عملية التحليل وأساس أي استشارة ولذلك فالمحلل والمستشار كحال أي مهنة أخرى له رأي ليس بالضرورة أن يتطابق مع غيره فهل ظهور معلومات من تلك البيانات تعطي تصور مختلف عن ظاهر البيانات الرئيسية سيعد خروجاً عن المهنية أو الموضوعية وكيف يمكن تحديد ذلك؟ أما المحظورات فتناولت إنتاج أو ترويج كل ما من شأنه المساس باستقرار السوق أو الإضرار به أو إرباك العموم وهنا نعيد السؤال: ما هو المعيار الذي يحدد هذه المحظورات؟ فقد يعطي المحلل رأياً دقيقاً حول توجه السوق بناءً على معايير اقتصادية أساسية وقد يراها البعض مربكة أو ضارة بالسوق لأنها لم توافق ما يتأمله مما يفتح مجالاً لزيادة الشكاوي وإشغال الهيئة بها، فالسوق العقاري ضخم ومن يتناولون الحديث فيه أعدادهم كبيرة وقد يحصل الكثير منهم على رخص ويحق لهم ممارسة هذه الأنشطة وستزداد الآراء وبالمقابل سيقبلها ويرفضها الكثير مما يفتح مجالاً للشكاوى والاعتراضات وقد تزداد نظراً لحجم القطاع وهو ما يعني الاستعداد لها بكيفية الفصل بها وهو ما يستوجب أيضاً تحديداً أدق للمحظورات، فمثلاً هناك حظر على أي خدمة تقدم وهي بالأصل لتحقيق مصالح شخصية أو آخرين أو للأضرار بالغير أو التضليل أو الغش والخداع فهي أيضاً لا بد من تقنينها فليس من السهولة إثبات أي منها، كما أن بعض من يعمل بالمجال العقاري ومعروف لدى العامة ويستخدم وسائل التواصل قد يضع ترميزات معينة دون أي كلمة يفهمها البعض بأنها تدل على اتجاه الأسعار أو نحو مدينة أو حي معين ولا يمكن إثبات أنه يقصد شيئاً يمس السوق فجوابه سيكون أنها حرية شخصية بأن أضع في حسابي أي رمز أو صورة تعجبني وليس لذلك أي مقاصد كما أن الأخبار الرسمية التي تصدر دورياً عن النشاط العقاري أتقارير نتائج الشركات العقارية في حال علق عليها أو حتى نشرها أي شخص هل يعتبر ذلك رأياً أو تحليلاً يندرج تحت هذه اللائحة.
كثير من الأسئلة والاستفسارات تطرحها اللائحة لكن يبقى وضع نظام للترخيص لنشاطي الاستشارات والتحليلات مجهود تشكر عليه الهيئة العامة للعقار وهو من خطوات تنظيم السوق الرئيسية لأن سوقاً بدون معلومات وتحليلات وآراء منظمة يصبح كالنفق المظلم لكن بما أنها مسودة فنأمل أن يعاد النظر بها لتكون أكثر وضوحاً وتحديداً وتقنيناً لما ورد بها من نقاط فالقطاع ضخم وليس من السهل حصر كل ما يدور به سواء بالإعلام أو بالاستشارات الخاصة وبالمحصلة أي سوق عقار أو أسهم أو سلع وكذلك العملات بقدر ما يحتاح لأنظمة وضبط لمنع تدفق المعلومات والآراء غير المهنية له إلا أنه لن يتجه بمساره إلا وفق أساسيات اقتصادية.