منصور ماجد الذيابي
تقول مصادر إعلامية إنه على الرغم من الإعلانات المتكرّرة لوقف إطلاق النار, والانتهاكات المتتالية لخرق الهدنة, فإن القتال العنيف الذي اندلع بين فصيلين عسكريين في العاصمة السودانية الخرطوم في 15 إبريل/ نيسان 2023 لا يزال مستمراً, والذي سرعان ما امتد إلى أجزاء أخرى من البلاد حتى وصل القتال لإقليم دارفور الذي يعاني أصلاً من النزاعات المسلحة منذ عام 2003, إضافة لاتساع نطاق الحرب ليشمل بلدات وولايات سودانية أخرى مثل كردفان وبورتسودان وغيرهما.
اندلع هذا النزاع المسلّح وفقاً للمصادر بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها عبدالفتاح البرهان وبين قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو ( حميدتي ) والتي لا زالت ترفض الاندماج مع الجيش النظامي وتصر على البقاء كقوة عسكرية مستقلة للمنافسة على السلطة والهيمنة على المشهد السياسي في البلاد على حساب الأمن والاستقرار وعلى أنقاض المباني والمرافق الخدمية الحكومية في السودان.
بالنسبة للمدنيين المحاصرين في مرمى النيران المتبادلة, فإن العواقب كانت ولازالت كارثية ومأساوية. فقد قُتل مئات الأشخاص وجُرح العديد, وتعرّضت المرافق الصحية والخدمية لأعمال العنف المسلّح, وارتفعت أسعار المواد الغذائية والوقود والمواد الأساسية الأخرى بشكل هائل أدى إلى لجوء ملايين البشر إلى البلدان المجاورة بحثاً عن أماكن آمنة ومستقرّة.
وبعيداً عن الخوض في تفاصيل وتعقيدات المشهد السياسي والعسكري في السودان, فإن ما يهم القارئ هنا هو متى وكيف يمكن التوصل لاتفاق ينهي بموجبه الفرقاء هذا المسلسل الدموي بين فريقين ينتمي كل منهما إلى دولة واحدة ويتقاتلان لتحقيق مصالح ضيقة ومكاسب عسكرية غير وطنية وغير إنسانية بإراقة الدماء السودانية وتدمير الممتلكات الوطنية ما جعل السودان والدول المجاورة تدفع ثمناً باهظاً جرّاء استمرار المعارك التي لا منتصر فيها حتى الآن, بل إن كل الأطراف المشاركة فيها خاسرة وستبقى تتجرّع مرارة الخسارة والهزيمة ما لم يتم حسم المعركة عسكرياً أو يتم التوصل لاتفاق ينهي معاناة الشعب السوداني ويعيد له الأمل في وقف أصوات المدافع وإرساء السلام وحقن الدماء وإطعام الجياع وإعادة اللاجئين الفارين من ويلات وعذابات الحرب اليومية في بلاد السودان التي كانت آمنة ومستقرة رغم الظروف الاقتصادية والحالة المعيشية في البلاد.
وفي تقديري, وبعد فشل كل الجهود الدولية والأممية والإقليمية في إنهاء النزاع المسلّح وإقناع الأطراف المتحاربة بالجلوس على طاولة المفاوضات ووقف الاشتباكات, فإني أرى أنه لا سبيل لإنهاء الحرب في السودان إلا بحسم المعركة على الأرض أو تقديم تنازلات من كلا طرفي النزاع تغليباً للمصلحة الوطنية على المصالح العسكرية والحزبية, ولو أنني أستبعد قيام أي من القوتين العسكريتين بتقديم تنازلات لإنهاء الحرب بينهما أو حتى الانسحاب من بعض المواقع الحيوية التي تمت السيطرة عليها سابقاً.
ونظراً لعدم قبول الأطراف المشاركة في الحرب للوساطات العربية والمناشدات الدولية ومبادرات السلام الإقليمية والإفريقية, ورفض دعوات وقف إطلاق النار, فإنه لا خيار آخر سوى حسم المعركة على الأرض, الأمر الذي قد يتطلّب دعم أحد طرفي النزاع للتغلّب على الطرف الآخر وإنهاء الحرب بينهما, ذلك أن كلا القوتين العسكريتين تمتلكان من العتاد العسكري والعدد البشري ما يجعل الانتصار لأي منهما على الآخر أمراً صعب المنال لا سيما وأن كلاً منهما يتلقى دعماً عسكرياً من قوى أجنبية تحاول أن تستثمر بقدراتها العسكرية لتحقيق مكاسب مالية وجيوسياسية في الحروب الأهلية, وبالتالي فإن هذه القوى الأجنبية تسعى لخلق فرص استثمارية بإشعال الحرائق وإطالة أمد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط مثلما ذكرت في مقالات سابقة بعنوان «الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر», و»ماذا بعد إشعال الحرائق في منطقة الشرق الأوسط», و»وصلت إلى ليبيا بعد خراب سوريا», و»أفق الحل في الأزمة الخليجية مع دولة قطر», و»معركة الموصل وشعار الحرب على الإرهاب».
وهنا, ومن أجل إحداث تغيير في ميزان القوتين السودانيتين, بحيث يسمح هذا التغيير بانتصار أحدهما على الآخر لإنهاء آلام الحرب الشرسة, فإن الحل الذي يلوح في الأفق قد يكمن في تعزيز قوة الجيش الوطني ودفعه للاقتراب من حسم المعركة وكبح جماح القوة المدعومة خارجياً على أساس أن يتم الزّج بكل عناصر القبائل السودانية في إقليم دارفور لتنضم لكتائب وألوية الجيش السوداني ومن ثم دفعها للمشاركة في العمليات القتالية ومجابهة عناصر القوة المقابلة لإضعاف قدرتها العسكرية على المقاومة والتمترس والصمود, وذلك دعماً للعناصر القتالية الحالية التي لم تتمكن حتى الآن من حسم هذه المعركة الطويلة التي أزهقت الأرواح وأرهقت الاقتصاد وألقت بظلالها على اقتصاديات وإمكانيات الدول المجاورة للسودان, إذ من غير المعقول انتظار الشعب السوداني إلى ما لا نهاية حتى تنجح جهود المبادرات المتتالية, أو انتظار تقديم الحلول السلمية على أطباق من ذهب.
وفي حال نجحت القبائل في ترجيح كفة قوات الجيش الوطني بما تملكه عناصر هذه القبائل من خبرة قتالية في ولايات إقليم دارفور وبما لدى عناصرها من قوة بدنية وشجاعة وإقدام, فإن المعركة ستنتهي حينئذٍ وبالتالي سيدخل السودان مرحلة جديدة من تضميد الجراح وإعادة الإعمار وفرض النظام وإرساء دعائم الأمن والسلام من خلال التوافق الوطني والتعايش السلمي بين مختلف القوى والتيارات والقبائل والأحزاب السياسية على أن تساهم منظمات الأمم المتحدة في تقديم المعونات المالية والخدمات الإنسانية العاجلة لشعب السودان الشقيق وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين إلى وطنهم الذي نزف كثيراً في هذه المعركة الدموية الطويلة.