د. محمد بن صقر
الدبلوماسية مطلب سياسي مهم للدول وإحدى أهم الأدوات الاستراتيجية للوصول إلى الأهداف الكبيرة، فالدبلوماسية لها أساليبها وطرقها واستراتيجياتها وتكتيكاتها وتختلف في استخدامها من دولة لدولة فهي تحاول أن تقدم خطاب الدولة ومنهجها بطريقة غير تقليدية وغير معهودة لضمان التميز والاستمرارية والتفرد، وقد تكون السلطة في بعض الأحيان حيث يطمح كل كيان أن يكون له أثر فاعل في نطاق عمله سواء كان اقتصادياً أو اجتماعياً أو صحياً أو سياسياً أو إدارياً..) لأن جميع الدول اليوم تواجه تحديات غير مسبوقة في ظل التقدم والتطور وزيادة التحديات التي تواجهها.
كذلك الحروب والأزمات المناخية والصحية والاقتصادية التي تعصف بالعالم والتي تحتم علينا استخدام طرق جديدة في حشد التأييد وبناء مبادرات كونية، وهذا يقودنا إلى الاتجاه نحو الدبلوماسية المعرفية فهي أشبه بمظلة كبيرة تشمل الدبلوماسية الثقافية والفكرية والسياسية كذلك الدبلوماسية الكلاسيكية، والدبلوماسية ذات الأطراف المتعددة ما بين الدول، والدبلوماسية البرلمانية، والدبلوماسية المعتمدة على الجانب الاقتصادي، والدبلوماسية العسكرية، وغيرها الكثير حيث تسعى جمع أنواع الدبلوماسيات إلى هدف كيفية إدارة العلاقات بين الأطراف السياسية أو الاقتصادية أو الفنية أو العلمية ذات العلاقة، والوقوف على الجوانب القانونية المشتركة بين مختلف البلدان، والخروج بنتائج تعود على الدولة بمكاسب سريعة أو استراتيجية، كما أن لكل نوع من أنواع الدبلوماسية أدوات للاستخدامات منها ما هو قديم وما زال مستمراً ومنها ما هو جديد فنذكر بعض المفاهيم والطرق التي كانت تستخدم كـ(البرغماتية- أو الانتهازية- أو الميكافيلية ....) وبغض النظر عن نجاح هذه الطرائق والأساليب في عملها، فما يحتم علينا في وقتنا الحاضر أن نعلم أن الدبلوماسية المعرفية هي الأشمل والبوابة الكبيرة التي تدخل تحتها كل الدبلوماسيات وذلك لأنها تعتمد على تفوقها المعرفي واستراتيجية الوصل إلى المعرفة من قبل الأطراف الآخرين, فكلما زادت معرفة الشعوب بمجتمع معين وزاد أخذاً للمعرفة من تلك الدولة في أي مجال زاد ولاؤها المعرفي والفكري فعلى سبيل المثال نجد وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول عندما تحدث بخصوص مدى تأثير الثقافة المعرفية التي تأتي من الجامعات الأمريكية والذين يلتحقون بها فقال: «لا أستطيع أن أفكِّر في رصيد لبلدنا أثمن من صداقة قادة المستقبل الذين تلقوا تعليمهم هنا». فهو يرى أن الجانب المعرفي الذي تعطيه الولايات المتحدة من خلال جامعاتها يستخدم كأحد أدوات الدبلوماسية وفي ممارسته العملية. وكما ورد في تقرير لمجموعة تعليمية دولية فإن «ملايين الناس الذين درسوا في الولايات المتحدة على مدى سنوات يشكِّلون محامين جيدين للقضايا الأمريكية لترجمة النوايا الحسنة للولايات المتحدة.
إذن التفوق المعرفي واستخداماته المتعددة في بناء دبلوماسية قادمة كقوة ناعمة لابد من العمل عليها فمن خلال الأفكار الريادية والمعرفية التي تقوم بها السعودية يمكن أن تكون إحدى منتجات الدبلوماسية المعرفية السعودية فالدبلوماسية المعرفية تنطلق من الفهم العميق لاحتياجات المرحلة المقبلة من العمل الدبلوماسي، وتوظيف إنجازات ومبادرات الدولة على المستويين المحلي والدولي كمبادرة السعودية الخضراء ونيوم وغيرها من الإنجازات السعودية التي تفخر المملكة ببنائها كذلك تركيزها التعهد والإلزام بالمشكلات الكبيرة للإدارة وصياغة مبادئ جديدة توضح مناهج حديثة في أدوات الدبلوماسية وأيضاً العمل على منهجية إدارة السمعة وابتكار نماذجها كإحدى أدوات الدبلوماسية المعرفية، ومعرفة استراتيجيات الدول في رسم دبلوماسيتها فالدبلوماسية تنم عن أفكار الدولة وتفوقها المعرفي ففي كتاب الدبلوماسية لهنري كسينجر حاول تشخيص سياسة بعض الدول وكيفية تعامل الولايات المتحدة مع كل دولة من خلال استخدام لغة القانون تارة ولغة القوة العسكرية والتدخل تارة وأيضاً الجانب الاقتصادي في تحريك وحشد القرارات الأممية تارة أخرى فبحسب حديث كسينجر حول الدبلوماسية الأمريكية في أنها تحتاج إلى خلاصة التحليل الجيوسياسية لتشق طريقها بين فوضى التعقيدات الجديدة وأن تبتغي الضرورة والاختيار سبيلاً وأن تتعامل بين الثوابت الراسخة للعلاقات الدولية والعناصر الخاضعة لتقدير الساسة، فهو بذلك يحاول أن يبين أن الدبلوماسية لابد أن تتغير وأن يكون لها ابتكار بحكم تغير عوامل الجغرافية والتاريخ والاقتصاد والقوة والمعطيات من خلال التفوق المعرفي، إن استراتيجية الدبلوماسية المعرفية لا بد أن تغير المعتاد والمألوف ويبنى عليه ويخرج من الدائرة المتوقع إلى دائرة غير المتوقع الذي يحقق الأثر والنتائج في رسم الدبلوماسية الجديدة من خلال مختبرات ابتكار للدبلوماسية السعودية الجديدة ومجلس ثقافي معرفي سعودي.