الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
في الوقت الذي تقوم به الدولة في مكافحة المخدرات، تظل الحاجة ملحة على استمرار الجهود في تضافر المؤسسات المجتمعية في محاربة المخدرات، وقيامها بمسؤولياتها كاملة في هذا الشأن.
ولاشك أن للأسرة وبقية مؤسسات المجتمع دورا رئيسا في التصدي لتلك الظاهرة المشينة التي بدأت في الانتشار، وتزايد واتساع مخاطرها على الفرد والمجتمع، وهي مسؤولية مشتركة تتطلب تعزيز الوعي بمخاطر المخدرات، وتحصين جيل الشباب من الذكور والإناث من شرورها وسمومها حفاظاً على أمن وسلامة أفراد المجتمع.
«الجزيرة» التقت بمختصين في العلوم الشرعية والطبية ليتحدثا عن تلك المخاطر والمحاذير، ومسؤولية الأسرة تحديداً في مكافحة المخدرات.
مسؤولية مشتركة
يقول الدكتور طلال بن سليمان الدوسري أستاذ الفقه المشارك بجامعة القصيم: جاءت الشرائع الربانية لإصلاح الناس في حالهم ومآلهم في جميع شؤونهم، ولذا فقد اتفقت الشرائع على حفظ الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، فشرع الله سبحانه في دينه القويم من الأحكام ما يصونها ويحفظها، وفي شأن المحافظة على العقل جاء تحريم المسكرات والمخدرات التي من شأنها تغطية العقل أو إزالته.
وفي سبيل المحافظة على المجتمع وعلى رأسهم الشباب من المخدرات يجيب أن يقوم كل بالدور المنوط به، فكما تقوم الجهات المختصة بدورها في مكافحة المخدرات والتوعية من أضرارها، فإن على المؤسسات التعليمية والإعلامية وسائر الجهات أدوراها اللائقة بها.
ومهما قامت تلك الجهات بأدوارها فإن على الأسرة مسؤولية كبيرة في مكافحة المخدرات ينبغي أن تعيها وتقوم بها، وتعلم أنه لا يغني عن دورها في ذلك دور آخر.
ويمكن إجمال ما يمكن أن تقوم به الأسرة (أباً، أو أماً، أو أخاً.. إلخ) تجاه مكافحة المخدرات في جزئيتين رئيستين:
الأولى: ما يسبق وقوع أحد من أفرادها -لا قدر الله- تلك الآفة.
الثانية: عند وقوع أحد أفرادها -لاقدر الله- في تلك الآفة.
أما الجزئية الأولى فهي لازمة لكل الأسر بحسبها، وتتمثل في القيام بما من شأنه أن يقي أفرادها من المخدرات؛ فإن الوقاية أيسر من العلاج دائماً فكيف بداء المخدرات الذي له تكلفة عظيمة حتى وإن تعافى المرء منه.
وفي هذا الشأن ينبغي أن تحرص الأسرة على تنشئة أفرادها تنشئة إسلامية، تعظم فيهم مراقبة الله سبحانه والحذر من معصيته، كما تعتني بصحبتهم أن تكون صحبة صالحة تعين أبناءهم على ما ينفعهم في دينهم ودنياهم؛ وذلك لأن كثيرا من الشرور كما لا يخفى تدخل على الناس من قرنائهم.
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الرّدي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكلّ قرين بالمقارن يقتدي
التوعية من الشرور
ويشدد الدكتور طلال الدوسري على الأسرة بأن تجتهد بما هو مناسب في توعية أفرادها من الشرور والآفات عموماً، ومنها المخدرات وتحذرهم من سلوك ما قد يؤدي بهم إليها لا قدر الله.
أما الجزئية الثانية من أدوار الأسرة في مكافحة المخدرات، وهي عند وقوع أحد أفرادها -لاقدر الله- في تلك الآفة. فهي جزيئة مهمة، ينبغي أن تستشعر الأسرة أن ابنهم واقع في داء خطير، وكما تسعى في استشفائه ومعالجته من الأمراض فإنه ينبغي أن تسعى في انتشاله من هذا الداء داء المخدرات، وإذا نظرت الأسرة إلى ابنها هذه النظرة نظرة المريض التي تبعث على الحنو والشفقة: فإنها تسعى بالتعاون مع الجهات المختصة في استخلاصه منها ومعالجته من آثارها ليعود فرداً سوياً بعد ذلك، وحينئذ ينبغي ألا تغلق عليه باب التوبة والأمل ليعود فردا نافعاً لنفسه ومجتمعه؛ فإنها إن فعلت ذلك حملته من حيث لا تشعر على العودة إلى الوباء الذي خرج منه والعياذ بالله.
سائلاً الله أن يحمينا وبلادنا وشبابنا وسائر المسلمين من الشرور والآفات، وأن يبارك جهود العاملين المخلصين ويسددها إن جواد كريم.
الأضرار الجسيمة
ويؤكد الدكتور نايف بن عبدالله العُمري استشاري طب الأسرة بمدينة الملك سعود الطبية بالرياض: أن مشكلة المخدرات حاليًّا من أكبر المشكلات لما لها من أضرار جسيمة على النواحي الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ولم تعد هذه المشكلة قاصرة على نوع واحد من المخدرات أو على طبقة محددة من المجتمع، بل شملت جميع الأنواع والطبقات، كما ظهرت مركبات عديدة جديدة لها تأثير واضح علي الجهاز العصبي والدماغ، ولا شك أن قيام الدولة بقيادتها المباركة وفقهم الله بشن حربًا على المخدرات بجميع أنواعها يعتبر جانبًا من تفعيل دورها ومؤسساتها لحماية أمنها واقتصادها والمحافظة على مستقبلها من الشباب الذكور والإناث، ومارست وسائل الإعلام دورها الحقيقي والمهم في مكافحة المخدرات وتوعية المتجمع بأضرارها وآثارها السلبية، مشيراً إلى أن أنواع المخدرات كثيرة وأشكالها متعددة، وهي خطيرة، سواء ذات المصدر الطبيعي (القات، الأفيون، المورفين، الحشيش، الكوكايين، وغيرها)، أو ذات المصدر الاصطناعي (الهيروين والامفيتامينات وغيرهما)، وأيضًا الحبوب المخدرة والمذيبات الطيارة لما لها من أثر على الجهاز العصبي المركزي والجهاز التنفسي للإنسان كمسكنات، أو مهدئات، أو منشطات أوحتى تسبب الهلوسة، وبحسب موقع وزارة الصحة فإن المخدرات الأكثر انتشارًا في المملكة العربية السعودية كالآتي: مادة الحشيش، ثم حبوب الكبتاجون، ثم مادة الميث امفيتامين (الشبو)، وكلها مواد خطيرة تؤدي إلى الأمراض النفسية والعقلية والجسدية الخطيرة، وقد يؤدي استخدام المخدرات إلى ما يسمى (الإدمان)، وهو رغبة قهرية للاستمرار في تعاطي المادة المخدرة أو الحصول عليها بأي وسيلة، مع الميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاه؛مما يسبب اعتمادًا نفسيًّا وجسميًّا وتأثيرًا ضارًا في الفرد والمجتمع.
مضاعفات الإدمان
وحذر د.نايف العُمري من المضاعفات التي يسببها إدمان المخدرات حيث هناك مضاعفات نفسية مثل: التغير في الشخصية، والتدني في الأداء الوظيفي والمعرفي، وأعراض ذهنية مثل:الشعور باللا مبالاة، وفقدان الحكم الصحيح على الأشياء، مع إصابة جهاز المناعة مثل: الإصابة بالأمراض الجنسية، والأمراض الفيروسية كالتهاب الكبد الفيروسي، وكذلك الاضطرابات الهرمونية مثل: العقم والتأثير في عملية الإخصاب، والتفكك الأسري ومشكلات الطلاق، وانتشار الجرائم للحصول على المال، مشيراً إلى أن هناك علامات يجب على الأسرة الوعي تجاهها فقد تدل على إدمان أحد أفرادها مثل: تغيير مستمر في الأصدقاء، والعدوانية، مع عزلة وانسحاب اجتماعي، وضعف في التحصيل الدراسي، وكسل وغياب عن الدراسة أو العمل، وزيادة غير مبررة في الحصول على المال، وتذبذب وعنف في العلاقة مع الوالدين والإخوان والأخوات.
مشكة خطيرة
وشدد د.نايف العُمري على أن تعاطي المخدرات وإدمانها غير أن أثرها على الفرد واضح إلا أنها أيضًا تمثل مشكلة اجتماعية خطيرة باتت تهدد أمن المجتمع وسلامته من جميع نواحيه بل وكارثه تحل بأسرة المتعاطي وخسارة محققه للوطن، وذلك لأن التعاطي يعود بأسوأ النتائج على الفرد في إرادته وعمله ووضعه الاجتماعي عولاً على افتقاره لتحقيق أبسط الواجبات العادية والمألوفة الملقاة على عاتقه، وأنه يجب على الأسرة أن تبذل كل ما بوسعها لتشجيع الشباب على التمسك بالقيم الإسلامية، وكذلك السلوك القويم من خلال التربية، سواءً كانت داخل المؤسسات التربوية المختلفة وكذلك الدينية والإعلامية، أومن خلال الأسرة بالتوجيه والمحاكاة والتقليد، وهنا يظهر دور القدوة الصالحة، واليوم وفي هذا العصر خصوصًا يجب على الأسرة أيضًا تبصير الشباب وبالتحديات المعاصرة وبقيمتهم العالية في أمتهم، وإثارة حوافزهم إلى العمل بجد وحمل المسؤولية واستغلال أوقات الفراغ بما يعود بالنفع عليهم وعلى أسرهم وتحقيق تطلعات دينهم ووطنهم.