خالد بن حمد المالك
الحروب تشتعل في كل مكان من هذه المعمورة، وما تكاد تتوقف في دولة إذا بها تستعر في دولة أخرى، وليس هناك من دولة آمنة من أن يطرق حدودها عدو لبدء الحرب معها.
**
وغالباً ما يكون النزاع على الحدود، أو على مصادر المياه، وربما لأطماع بالتوسع على حساب أراضي الدولة الجارة، وقد يكون لأسباب عرقية أو تاريخية، دون التفكير بما ستؤدي إليه هذه الحروب من نتائج مفجعة.
**
هكذا هو العالم يعيش في سباق بين دوله لهزيمة عدو قائم أو محتمل، أو التحضير مبكراً لإضعاف من قد يكون مصدر قلق، أو من ينظر إليه بشكل مريب، وكأن الحوار والتفاهم والجلوس على طاولة واحدة لا تغني عن القتال.
**
وهناك من يغذي هذه الحروب بالمال والسلاح والخدمة الإعلامية حتى ولو لم يكن طرفاً فيها، أو مستفيداً منها، حتى ولو كان في ديار بعيدة عنها، ما شكل هذه الظاهرة الدموية، وجعلها ضمن استراتيجية الدول في التعامل فيما بينها.
**
وعلى امتداد التاريخ، في الأزمنة البعيدة والقريبة، ظل هاجس الناس الخوف من الحروب، ومن التقاتل ومن الانجرار إلى معارك خاسرة، لكنهم لا يفعلون شيئاً يوقفها، ولا ينأون بأنفسهم ودولهم من الانخراط فيها.
**
بعض هذه الحروب حين يستعر أوارها يصعب إخمادها، وبعضها حروب داخلية تجد من يغذيها ويشجعها من الخارج، وبعضها حروب خارجية، ولها من يتضامن من الداخل معها، وهكذا تكون التكتلات بين الدول لاستحضار القوة المشتركة عند اللزوم.
**
وما من أحد كان حكيماً أو عاقلاً، أو صاحب رأي سديد ليوظف قدراته ضد هذه الحروب، وما من قادر لديه القوة والقبول لفك هذه الاشتباكات بما يرضي الأطراف المتحاربة.
**
ولا يظهر في الأفق القريب والبعيد، أن هناك أملا بأن تودع الأمم والشعوب والدول هذه الحروب، فالسباق لا يزال على أشده لاستعراض القوة، ومواصلة الاعتداءات غير المبررة.
**
حتى الدول المسالمة النائية بنفسها بعيداً عن الدخول في هذا المعترك الدامي لم تسلم من التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية لإيذائها، وجرها إلى ما تحاول جاهدة أن تتجنبه، وكأن الناس خلقوا من أجل أن يعتدي بعضهم على بعض.
**
أموال تهدر، ومنشآت يتم تدميرها، وسلاح اشتري بالمال يوجه في غير وجهته الصحيحة، وأنفس تزهق، والنتيجة لا أمن ولا سلام، وقتلى وجرحى بالملايين، واقتصاد ينهار.
**
وكل يستنكر هذه الأفعال، ويجرمها، وكأنها تتم دون فعل فاعل منهم، ودون هذا الإنسان الذي يبرئ نفسه من دور له فيها، وكأن هذه الدول ليست جزءاً من أحداثها.
**
الجميع مسؤول، والكل طرف رئيس فيما يجري، ولا أحد دون ذنب، ولا أحد من غير دور، فالإدانة للجميع، والمسؤولية تقع على الكل، ولا يحق لأي دولة أن تتحدث عن عدم مسؤوليتها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والتاريخ يسجل والتاريخ لا يرحم.