د. تنيضب الفايدي
قرية الشقرة تربط إدارياً بمحافظة الحناكية، وتقع على طريق المدينة المنورة - القصيم القديم- شرق مدينة الصويدرة، على حافة وادٍ يسمى باسمها وادي الشقرة، وهي معروفة منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حيث ذكرها أكثر المؤرخين في تاريخ بعض الغزوات، ولاسيما غزوة ذات الرقاع، فقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل في غزوة ذات الرقاع إلى موضع يسمى وادي الشقرة، فوجدوا الناس هاربين، أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوادي وجعله مقراً للقيادة، حيث بث من هنا السرايا لتفقد آثارهم، فرجعوا إليه من الليل وأخبروه أنهم لم يروا أحداً، ثم اجتمع جمع منهم وجاءوا لمحاربة جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخاف الناس بعضهم بعضاً حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقع صلاة الخوف، وكانت أول صلاة للخوف صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع خرج من المدينة حتى سلك على المضيق، ثم أفضى إلى وادي الشقرة، فأقام به يومًا وبث السرايا، فرجعوا إليه مع الليل وأخبروه أنهم لم يروا أحدًا، وقد خاف الناس بعضهم بعضًا، والمشركون منهم قريب، وخاف المسلمون ألا يبرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يستأصلهم، وفيها صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف». وقد انصرف المسلمون ولم يحدث أي قتال، وسبب تسمية الغزوة بذات الرقاع؛ لأن أقدام الصحابة حفيت من المشي، وتأثرت بحرارة الأرض مما اضطرهم إلى لف الخرق ( الرقاع ) على الأقدام، أما سبب هذه الغزوة فكما ذكره المؤرخون أن غطفان جمعت جموعاً لمحاربته فأخبر أصحابه وأمرهم بالتجهيز ثم خرج في أربعمائة من أصحابه حتى وصل وادي الشقرة. سيرة ابن هشام (2/ 203 -204)..
سميت الشقرة نسبة للون جبالها الشقراء الواقعة في الناحية الشمالية منها، وتعتبر الشقرة الحد الفاصل بين نجد والحجاز، فما كان منها شرقًا فهو في نجد وما كان منها غربًا فهو في الحجاز. وبالشقرة قصور وحوانيت، وسوق كبيرة، نخل في ميمنتها، وآبار ماؤها عذب. المناسك للحربي (276).
قال الزبير وسألت سليمان بن عياش السعدي لم سمي الحجاز حجازاً قال: لأنه حجز بين تهامة ونجد، قلت: فأين منتهاه قال: ما بين بئر أبيك بالشقرة إلى أثاية العرج، فما عرج فمن تهامة. ويقول ياقوت الحموي في معجم البلدان (3/ 402): «خرج الحصين بن عمرو البجلي ثم الأحمسي فأغار على بني سليم فخرجوا في طلبه فالتقوا بالشقرة فاقتتلوا فهزمت بنو سليم وقتل رئيسهم فقال الأزور البجلي:
لقد علمت بجيلة أن قومي
بني سد أولو حسب كريم
هم تركوا سراة بني سليم
كأن رؤوسهم فلق الهشيم
بكل مهند وبكل عضب
وتركناهم بشقرة كالرميم
وأنا قد قتلنا الخير منهم
وآبوا موترين بلا زعيم
وفي الفترة المتأخرة تم استخدام أخشاب شجرة الدوم لوادي الشقرة في بناء المسجد النبوي الشريف بعد الحريق الثاني سنة 888هـ، كما ذكر ذلك السمهودي رحمه الله، حيث يقول في وفاء الوفا (2/ 645): «وقد قارن هذه العمارة من السعد وتسهيل الأمور ما لايوصف، ويسر الله تعالى لهم من آلات العمارة ما لم نكن تظن حصوله بنواحي المدينة الشريفة خصوصاً أخشاب الدوم، فقطعوا من الموضع المعروف بالشقرة ومن الصويدرة ومن الفرع وغير ذلك ما لايحصيه إلا الله تعالى، وكذلك أخشاب السمر».
ويقول الحربي: «ومن النخيل إلى الشقرة ثمانية عشر ميلاً ونصف، وبالشقرة قصور وحوانيت، وسوق كبير، ونخل في ميمنتها، وآبار ماؤها عذب».
ويقول: «الشقرة – بالضم ثم السكون – موضع بطريق فيد، بين جبال حمر، على نحو 18 كيلاً من النخيل، وعلى يوم من بئر السائب ويومين من المدينة، انتهى إليه بعض المنهزمين يوم أحد – كما رواه البيهقي- ومنه قطع كثير من خشب الدوم لعمارة المسجد النبوي بعد الحريق.
يقول الجاسر رحمه الله في المناسك (ص275): «لا تزال شقرة معروفة، وفيها قرية ذات نخل، ومنه قطع كثير من خشب الدوم لعمارة المسجد النبوي بعد الحريق.
كما وردت الشقرة كمحطة من محطات الحجيج ضمن الأرجوزة التي تصف محطات الحجيج، ومنها:
حتى أتوه بنفوس ضجرة
ثم استقلوا نحو الشقرة
والناس بين حامد وشاكر
لله ذي الطول العلي القادر
فنزلوا فأوردوا وأنهلوا
ثم استقلوا روحةً، فاستعجلوا
وقال الشاعر في الشقرة:
حن إلى الشقرة نزاع
وللصبا واللهو أتباع
وقل من أصبح ذا كلفة
إلا له هم وأوجاع
تزعج قلباً كلفاً، ضمه
جوانح يحتج أضلاع
وكيف بالشقرة إذ دونها
مرت فضا، أفيح لماع
علقت بالشقرة إنسانةً
من دونها باب ومناع
فالحمد لله على بعدها
قد صاق من يذكرها الصاع
إلا بعون الله أو لطفه
فإنه معطٍ، ومناع
يقول أحد المؤرخين في كتابه طريق الأخرجة (ص180) بعد ما ذكر أقوال العلماء عن الشقرة: «كانت مفاجأة لنا عندما نزلنا منخفض الوادي فبعد أن كنا نسير عبر حرار وجبال سود؛ وجدنا وادياً تنتظم فيه أشجار الطلح الظليلة، وتكتنفه تشكيلات من الجبال ذات اللون الأشقر أبدعت عوامل التعرية في إضفاء جمال فوق جمالها، ومن لون هذه الجبال الشقراء جاءت تسميتها بـ«الشقرة». ولم نجد صعوبة في العثور على آثار القصر فهو أطراف الآثار من جهة الشمال الغربي واقع على درجة العرض 00 ً 55 َ 24 ْ، وخط الطول 13 ً 12 َ 4 ْ والقصر مقام على مرتفع من الأرض، ولكن طالته يد التخريب، وهو مشابه للقصور الأخرى، وتستمر أساسات المنازل والآبار ومبانٍ طينية وحجرية على ضفة الوادي الغربية جنوب القصر؛ وهذه المنازل القائمة تدل على أن المكان كان مسكوناً في السنين الأخيرة، وقد انتقل سكان الشقرة إلى مكان آخر، وذلك لقلة المياه أو تقرباً إلى طريق (المدينة - القصيم) حيث قامت عليه بلدة سميت بـ»الشقرة».
وقد انتقل سكان الشقرة إلى مكان آخر، وذلك لقلة المياه أو تقرباً إلى طريق (المدينة – القصيم) حيث قامت عليه بلدة سميت بـ«الشقرة»، ورائها عدد من الآثار. انشروا ذلك لأبنائنا وبناتنا ليطلعوا على التاريخ المجيد حسب الواقع.