د. عبدالحق عزوزي
وأخيراً اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ أيام، بإجماع أعضائها الـ193، قراراً تقدمت به المملكة المغربية، ضد حرق نسخ القرآن الكريم، وخطاب الكراهية.
وهذا القرار التاريخي يستنكر «بشدة جميع أعمال العنف ضد الأشخاص على أساس دينهم أو معتقدهم، وكذلك أي أعمال من هذا القبيل ضد رموزهم الدينية أو كتبهم المقدسة (...)، التي تنتهك القانون الدولي».
ويأتي اعتماد هذا القرار التاريخي، في عالم تسوده غيوم الظلام اللامتناهية والتي تغزو بعض المجتمعات الملبدة بالصراعات السياسية والأزمات الاجتماعية والدينية والثقافية وفي سياق عالمي نجد فيه للأسف الشديد بعض الممارسات العبثية النكراء، التي تقوض كلَّ الأعراف والأصول الدينية والقواسم المشتركة الإنسانية، وتخالف قيم المجتمع الدولي، وتحض على الكراهية ضد الإسلام والمسلمين.
وما وقع في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن وقبل ذلك في العاصمة السويدية ستوكهولم من حرق للمصحف الشريف ومن ممارسات محفّزة للكراهية، ومثيرة للمشاعر الدينية، لا تَخدم سوى أجندات التطرُّف، والتي إذا لم تتوقف ستأتي على الأخضر واليابس وستوقف بناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك وستبني لا محالة ملجأً حاضنًا لمثيري الصدام والصراع الديني والفكري.
وخلال تقديم هذا القرار أمام الجمعية العامة، كان تدخل السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، السيد عمر هلال؛ وهو رجل دبلوماسي كبير أتشرف بزمالته، وهو رجل مبادئ محنك ثابت على قيمه ووطنيته المثلى...
وذكر السفير بأن هذا القرار الجديد يشكل استمرارية للقرار التاريخي للجمعية العامة (73/ 328)، وهو الأول من نوعه بشأن خطاب الكراهية، الذي تم تبنيه في سنة 2019، وكذلك القرار اللاحق (75/ 309) الذي أعلن، في سنة 2021، عن تخليد 18 يونيو من كل عام يوما دوليا لمكافحة خطاب الكراهية.
ونحن نتذكر في هذا الصدد، الرسالة الملكية بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة للمنتدى العالمي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة، الذي انعقد في فاس في نونبر 2022 والذي حضره الأمين العام للأمم المتحدة، حيث حذر فيها جلالته بالقول «فلم يسبق لحضارتنا أن كانت معرضة لمثل هذا الكم الهائل من المخاطر، ولم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديدات بشكل يومي؛ ونادرا ما كان الآخر مثار ارتياب وشك مثلما هو اليوم، بل نادرا ما كان يستخدم كل سبب مفتعل لإثارة مشاعر الخوف والكراهية وتأجيجها كما هو الشأن اليوم. لقد باتت أشكال التطرف تهيمن على النقاشات وتقصي الخطابات المعتدلة؛ وغالبا ما يتم توظيف الديانات لأغراض غير بريئة، ناهيك عما تتعرض له من وصم وتوصيفات مسيئة؛ وتثير الشعبوية القلاقل والاضطرابات داخل المجتمعات وتختلق الأسئلة دون الإجابة عنها، لا لشيء إلا لتوظيف الهجرة كفزاعة وأداة انتخابية وجعل المهاجر كبش فداء».
وهذا الوصف الدقيق والصحيح يوحي بضرورة خلق مبادرات جريئة تبني ولا تهدم وتجمع ولا تفرق، وترسخ قيم التسامح ولا تقوضها؛ ومن هنا هذا القرار الأممي الجديد والذي نحييه، وهو يعزز الالتزام الجماعي بالنهوض بثقافة السلم والسلام والمحبة والجمال، والتي فيها خير البشرية جمعاء.
والذي يحسب لهذا القرار أنه يرصد بقلق عميق الزيادة في عدد حالات التمييز وعدم التسامح والعنف التي تستهدف أفراد العديد من الطوائف الدينية، ولا سيما الحالات التي تحفزها كراهية الإسلام ومعاداة السامية وكراهية المسيحية، وكذلك أعمال العنف بدافع التمييز ضد الأشخاص المنتمين إلى أقليات دينية.
وفي تقديمه للقرار المغربي، قام السيد هلال بذكر ثلاثة إجراءات ملموسة للالتزام متعدد الأطراف من أجل مكافحة خطاب الكراهية: أهمية وضع تعريف لخطاب الكراهية متفق عليه على المستوى الحكومي عبر العالم، من شأنه الإسهام في مكافحته وفقا للقانون الدولي؛ وعقد مؤتمر عالمي في سنة 2025 لمكافحة خطاب الكراهية؛ ودعوة الدول الأعضاء ووسائل التواصل الاجتماعي إلى دعم المنظومات الفاعلة لمكافحة خطاب الكراهية ومنع تنامي انتشاره، وتعزيز وصول المستخدمين إلى آليات الإبلاغ الفعالة، بما ينسجم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. آخر الكلام: شهدت عملية اعتماد هذا القرار محاولة الاتحاد الأوروبي حذف الإشارة إلى انتهاك القانون الدولي عندما تستهدف أعمال العنف الرموز الدينية والكتب المقدسة، مما كان من شأنه أن يضعف القرار. لكن، وبفضل إصرار وقيادة السفير عمر هلال، تم رفض التعديل الأوروبي بأغلبية كبيرة، لينضم الاتحاد الأوروبي، في نهاية المطاف، إلى توافق الآراء بشأن القرار برمته.
** **
رئيس كرسي تحالف الحضارات بالجامعة الأورومتوسطية - فاس