سهوب بغدادي
عندما نشعر بالملل ماذا نفعل؟ إن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو التنزه في المولات المكيفة، أو الذهاب إلى المطاعم والمقاهي، خاصةً مع لهيب الصيف وروتين الإجازة الصيفية، إلا أن الكثير منا يصاب بحالة لا تفسير لها من الرتابة بعد «الطلعة» أو حتى خلالها، لذا يهرع الأشخاص إلى السفر بين فترة وأخرى كملجأ من الروتين بهدف الخروج عن المألوف، ماذا لو قلت لك أن السفر ليس الحل الوحيد، وأن «الخلطة السرية» تكمن في ذاتك! نعم، إن الخروج عن المألوف وكسر الروتين أمر قد تحققه دون أن تبرح أرضك، من خلال طرق عديدة، من أبسطها أخذ دورات وورش العمل في موضوعات خارج تخصصك ومواطن قوتك، بهدف اكتشاف الذات وإمكانياتها الدفينة. من هذا المنطلق، قمت بأخذ إجازة قصيرة من العمل، والتحقت بورش عمل في مجال يبعد كل البعد عن تخصصي، كانت ستة أيام مكثفة في «فنك» وهو مسرح مجتمعي سعودي يهدف إلى تطوير المواهب المحلية في نطاق الفنون الأدائية والمسرحية بدعم من الصندوق الثقافي، قام بتأسيسه سعادة المهندس ياسر عبدالله بكر، الذي وجد ضالته في هذا المجال ليبدأ مشروع تطوير المواهب المحلية في بيئة آمنة وداعمة للإبداع. إن عملية تغيير المجال المهني صعبة بل مهيبة بمجرد التفكير فيها، لأننا ببساطة عهدنا أن «الفن ما يأكل عيش»، إلا أن التحول الشامل الذي تعاصره المملكة في شتى الأصعدة يثبت أن كل شيء ممكن، على النهج ذاته. أوضح المهندس ماجد العمودي أن «الفن يأكل عيش»، معلنًا بذلك تركه الهندسة بعد أعوام طويلة من ممارستها من ثم البدء بشكل مختلف كمخرج مسرحي وممثل وكاتب ومدرب فن ارتجال وأكثر من ذلك بكثير. أما عن حضور المرأة السعودية في هذا المجال، فلقد سجلت الأستاذة روزانا البنوي حضورًا في المجال الفني من خلال عدد من الأعمال المتنوعة وعملها كمديرة تطوير البرامج التدريبية، واتّبعت الشابة لينة أبوزنادة الخطى ذاتها بكل حب وشغف، ولمست ذلك أيضًا في كل من سارة حلواني وآلاء عبدالرحمن وسارة حافظ، فيما أكدت لي المتميزة لمى الفرد المعروفة بـ»لمعان» أن بداياتها في مجال عروض الكوميديا بدأت منذ مدة طويلة ولقيت الترحيب والتشجيع، والأهم من ذلك كله شعورها بالمتعة على خشبة المسرح وبذلك تكون من أولى السعوديات اللاتي اقتحمن مجال العروض الكوميدية في المملكة. في الوقت الذي نخاف فيه من تلك الخطوة الفاصلة التي ستبدل لون حياتنا، لم يتورع كل من الأستاذ عمار عبدالغفاروالمنتج محمد باوارث، وصالح باوزير من أخذها، فكل هذه الأسماء مثال حي على أن ملاحقة الشغف واجبة، وأننا نعيش لنعمل ما نحب ونحب ما نعمل. إضافة إلى الآنف ذكره، التقيت بالممثل الكوميدي المبدع سري الخالد خلال إلقائه محاضرة لنا عن الفن الكوميدي وأدواته، حيث قال إن الفن متعة لا مثيل لها للفنان والجمهور -على حد تعبيره إن الفن «يأكل عيش ونص»- إن كل ما على الشخص أن يخوض التجربة وستشرع له أبواب الفرص. على سبيل المثال لا الحصر قد يتلقى الفنان عروض تمثيل، وإعلانات، وكتابة محتوى، وعروض أزياء، وغيرها من الفرص التي تستلزم الانتقاء بما يتوافق مع توجهات الفنان ومسيرته التي رسمها لنفسه. بعد انتهاء تجربتي في كل من الفن المسرحي والكوميدي والارتجال، أجد أنني عدت لذاتي القديمة، ذاك الطفل الذي يعبِّر عن مكنوناته دون وجل خاصةً بعد تقديمي برفقة المتدربين عروضًا حية بحضور فنانين ومخرجين بارزين في المجال الفني، كسعادة الفنان عبدالرحمن الخطيب والفنان والكاتب عبدالعزيز المبدل، إذ كان حضور هذه الأسماء اللامعة في سماء الفن حافزًا لا مثيل له لنا عبر الوقوف والتمثيل أمامهم. كم أنا مسرورة بهذه التجربة لأمور عديدة من أهمها أن الفن في المملكة أضحى ضرورة لا ترفًا، والأهم من ذلك أن الفن «يأكل عيش».
«لا يمكن تحقيق أي شيء عظيم دون شغف» (رالف إيميرسون).