د. محمد بن أحمد غروي
قبل أسابيع قليلة وقّع وزير خارجيتنا الأمير فيصل بن فرحان، على وثيقة انضمام المملكة العربية السعودية لمعاهدة الصداقة والتعاون مع دول شرق آسيا (رابطة دول الآسيان)، والمتابع للرؤية السعودية ونظرتها الاستراتجية تجاه هذه الرابطة، سيرى أن الحكومة السعودية تملك توجهًا عميقًا لتمدد خارطة مصالحها الاقتصادية والاستثمارية العابرة للحدود في هذه المنطقة تحديدًا، التي تتوقع آخر التقارير الصادرة عن هارفارد بأنها ستكون في مقدمة نمو اقتصاديات العالم حتى 2031.
هناك حركة سعودية دؤوبة ومتسارعة تهدف إلى تنمية مصالحها القومية الاقتصادية والاستثمارية الإقليمية مع «رابطة دول الآسيان»، وسارت بذلك وفق منهجية وخطط مدروسة، تقودها صناديقها الوطنية السيادية وشركاتها الحكومية والخاصة العملاقة. وفق الحسابات التنموية تصنف المنطقة من بين أسرع المناطق نموًّا اقتصاديًّا، فضلًا عن امتلاكها للخبرات والكثافة السكانية المرتفعة التي تتجاوز نصف المليار إنسان، فيما يبلغ ناتجها المحلي أكثر من 3.3 مليارات دولار، ونسبة تعليم سكانها - وهو الأهم- يتجاوز الـ90 %.
تشترك المنظومة الخليجية ورابطة دول الآسيان في أهميتهما الاستراتيجية والتنامي الاقتصادي المتسارع الذي يتسمان به، وهو ما يدفعها في الحرص على الحياد في القضايا التي شهدت استقطابًا مارسته القوى الكبرى، كما أن من المعلوم أن الدول الغربية والآسيوية سرّعت بشكل غير مسبوق وتيرة التعاون للظهور بعلاقات متينة وأعمق معها؛ ويعود ذلك لأسباب اقتصادية، فضلًا عن أهمية موقعها الجيوسياسي المتاخم لبحر الصين الجنوبي، والنمو المتزايد في مجال التقنية والتجارة الإلكترونية. يمكنني الإشارة هنا إلى أن المملكة واندونسيا عضوان في مجموعة العشرين كما دعيت الإمارات وسنغافورة في العديد من قمم المجموعة الاقتصادية الكبرى في العالم. العام الماضي كان علامة فارقة بين المملكة وآسيان تحديدًا بزيارة رئيس وزراء تايلاند بعد قطيعة تجاوزت ربع قرن، وزيارة سمو ولي العهد إلى بانكوك ولقاؤه بمعظم قادة الآسيان في قمة آيبك، وكانت الرياض حينها أول دولة شرق أوسطية تشارك في المنتدى الاقتصادي الأبرز آسيويًّا لتصبح المملكة قبلة سياسية لقادة آسيان والمنطقة.
بتصوري ومن خلال مراقبتي الميدانية للمشهد الآسيوي، فإن الخطوة السعودية ستعزز من التعاون الخليجي مع «رابطة دول الآسيان»، في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، فالتجارة البينية تجاوزت الـ13 مليار دولار، كما تشهد ترابطًا ملحوظًا بين التكتلين على المستوى السياسي والعسكري والتعاون البنّاء الذي يحمي مصالح الطرفين في القضايا الدولية المشتركة.
**
- كاتب وباحث في الشؤون الآسيوية