جدليَّة الزمن مستمرة في اللُّغة العربيَّة، وعندما ننظر إلى تقسيمات الكلمة عند النَّحويين القدماء (الماضي والمضارع والأمر) بأنَّها قسمة زمنية فقط، هي نظرةُ جفوةٍ تحتاج إلى مراجعةٍ جادةٍ؛ إذْ القسمة تقوم على تصنيفِ الحدثِ؛ لكون حدث المصدر أقوى من حدث الفعل؛ لأنَّ الأوّل يخلو من الزمن، ويقوم التركيز الذهنيّ فيه على الحدث، والثاني التركيز الذهنيّ فيه متذبذبٌ بينَ الحدثِ والزمنِ.
ويتفرَّع من هذا التقسيم الحدث المنجز الأصلي الَّذي يظهر من خلالِ صيغةِ (فَعَلَ) نفسها، وغير المنجز (الطلب) المتولِّد من همزةِ الطلبِ (اِفْعَلْ) وهما ضدانِ حسب القسمة العقليَّة، وبينها صيغة (يَفْعَل) الَّتي تدلُّ على حدثٍ في طورِ الإنجازِ عن طريق الحاضر أو غير منجز عن طريق الاستمرار أو منجز عن طريق اللَّواصق كـ (لم) أو (لن).
والمنجز الحسي ّكـ (ضرب) الزمن فيه محدد غير تراكميّ، والمنجز المعنويّ كـ (أحببتُ) الزمن فيه غير محدد تراكميّ (يبدأ ثمّ يتفرعُ ثمَّ يتفاقم ويتفاوت).
كذلك يقومُ هذا التقسيمُ على ثلاث صيغ صرفيَّة من حيث البناء ونحويَّة من حيث التركيب واللَّواصق (فَعَلَ ويَفْعَلُ واِفْعَلْ) وقدْ قامَ عليها الكلامُ العربيُّ من خلالِ عمليّةِ الاستقراءِ.
كما تكشفُ هذه القسمةُ الأصلَ والفرعَ؛ وذلك لأنَّ الصيغتينِ (يَفْعَلُ واِفْعَلْ) فرعانِ عن (فَعَلَ) لأنَّهما يقومانِ على اللَّواصقِ أو الزوائدِ، وصيغة (فَعَلَ) تقومُ بنفسِها دونَ اللَّواصقِ أو الزوائدِ.
وأخيراً، الزمن يتولّد في القسمة السابقة من خلال: الصيغة نفسها (زمن صرفيّ أو نحويّ) كـ استغفر، واللَّواصق (زمن صرفيّ أو نحويّ) لم يتكلّم ولن يتكلّم وكلَّم، والتركيب (زمن نحويّ) وقد يؤدي إلى ازدواجية الزمن من خلال الفعلين في التركيب كـ (كان زيدٌ يتكلّمُ)، والسياق كقوله تعالى: (أتى أمرُ اللهِ) فإذا جاء الزمنُ خلاف ظاهر العبارة فإنَّ مصدره – غالباً- السياق، وهو من أوسع محددات الزمن.
وبناءً على ذلك، فإنَّ هذه المحددات تظهر من خلال محددات الزمن، بينهما علاقة واضحة في بعض تقسيمات الكلمة، ومن هذه المحددات: الصيغة، والتركيب، واللَّواصق، والسياق، والعرف (المجتمع)، والسياق، والمعجم، وهذه المحددات تقومُ بتنويعِ المعنى بعدَ تحديدِهِ.
ونلحظ من هذه القسمة، بأنَّها تقوم على معطيات منها الزمن، وهذا الزمن يتفاوت من عبارة إلى وفق السياق، والقرائن، واللواصق ...
**
* د. فهد بن سالم المغلوث