رمضان جريدي العنزي
«عين عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب»، هذا المثل ينطبق بالتمام والكمال على البعض من البشر، الذين تتسع قلوبهم للبعيدين وتضيق على القريبين، يقطعون المسافات الطويلة من أجل مشاركة البعيد، ويتأففون عن مشاركة القريب وإن كان بجانبهم، يدفعون المال الجزيل للبعيد من أجل المدح والإطراء والإشادة، ويتركون مساعدة القريب المحتاج المتعفف، يحسنون للبعيد ويبرون به، ويسيئون للقريب وينفرون منه، يراعون مشاعر البعيد ويدارونه ويتلطفون معه، ويلفظون القريب ويمقتونه، ومع ذلك نجد هؤلاء البعض ينظَّرون عن المثالية والبر والإحسان والمودة في القربى، ينشرون الأمثال والأشعار والقصص التي تحث على صلة الرحم ووجوب الوقوف مع القريب، لكن في حقيقتهم المرة هم أبعد ما يكونون عن الواقع والحال الذي يروجون له ويتفوهون به، إنها الازدواجية البغيضة، والتناقض الكريه، وسوء الأخلاق والسلوك.
إن البشر الذين يمارسون التناقض العجيب، الذين تختلف ظواهرهم عن بواطنهم، يبرمون عقداً وثيقاً مع الشيطان الرجيم، يظهرون على مسرح الحياة أمام الناس بقيم ونبل ومُثل عليا، وهم في حقيقتهم لا يعرفون القيم ولا النبل ولا المُثل العليا ويفتقدون للمبادئ، ويعملون بالنفاق والرياء الذميم، أنهم متملقون ولديهم براعة ومهارة وريادة في هذا الشأن، أنهم يتقنون فن التملق والتسلق الرخيص ويجيدون التمثيل على مسارح النفاق. إن هؤلاء الزمرة بقعة سوداء في جدار المجتمع النظيف، وإلا كيف يتركون القريب جداً يتيه في ظروفه الصعبة ويضيع بين الآهات والتأوهات، ويركضون سريعاً للبعيد نفاقاً ورياءً وطلب سمعة، إنهم يلوكون ألسنتهم بالأقوال المعسولة، والأعمال الكاذبة التي تشبه السراب، تمثيلاً وخداعاً، إنها أفعال مؤلمة ومغايرة لكل العوامل الإنسانية تؤدي إلى الإحباط النفسي، والانكماش العقلي، فلا بارك الله في أصحاب النزعة نحو البعيد وترك القريب، الذين يعشقون النفاق ويعتنقون الرياء، ويمارسون الدجل، ويطلبون الإشادة، الباحثين عن الضوء والمسمى واللقب، إن الشمس لا تحتاج إلى تعريف، فاشعتها الباهرة تغمر الكون كله، فكذلك الرجل الثابت صاحب المبادئ والقيم لا يحتاج إلى لقب وضوء، فيكفي أن يذكر اسمه فتشرئب الأعناق إليه، وتراه ملء القلوب والعقول والأسماع، إن هناك فرقًا كبيرًا بين من يبحث عن الضوء والسمعة والشهرة من خلال البعيد، وبين الرجل الحقيقي الذي يبحث عن ما عند الله من خلال القريب مواساةً ومساعدة ومودة وتفقد حال وتحسس معيشة، إن الشتان كبير بين هذا وذاك، والبون شاسع.