علي الخزيم
- هُنا بالخليج العربي -قُلت هُنا لأننا بلد وشعب وقلب واحد- نقول للإنسان اللطيف الظريف (خفيف طِينة)، فهو لا يُشكِّل عبئاً على جلسائه ومرافقيه بكل أحواله، وإن كان صاحباً بالسفر فما أحسنه من رفيق، فأدبيات الرحلات والسياحة تحتاج لمثله.
- من منغصات الرحلات الابتلاء بإنسان ثقيل الدم والطينة والعجينة، لاسيما إذا كان ممَّن ألصقوا أنفسهم بخليط الغثاثة و(اللقافة)؛ والجَدل العقيم بفرض الرأي لإشباع عناصر مفقودة بشخصياتهم، فأولئك أبعد الفئات عن أنفس الناس الأسوياء.
- تقول العرب: الثُّقل محمود باستثناء حالتين (ثقل الدم وثقل الوزن) وكلاهما ابتلاء قد لا يكون للمرء دور فيهما، غير أن ثقل الطينة هو مُتلِف الأعصاب للرفاق والمصاحبين دون أن يعلم صاحبه أنه يفعل ذلك، ويخجل أو يعجز مرافقوه عن تنبيهه لحالته الصعبة، فإن كان يعرف ما به من علة فالأمر يحتاج لمواجهة وحلول حاسمة.
- أميل إلى أن معنى خِفة الظِّل يقترن بحركة الشمس والزمن ومتغيراتها الدائبة؛ فذو النفس الخفيفة الظريفة لا يلبث أن يُبدل ممارساته بين الجِد والهزل المُحبب والدعابات المشوقة ليطرد السأم والمَلَل عن رفاق الرحلة والجُلساء، فتجده كنسمة باردة عابرة بليلة صيفية تَمُر خفيفة ثم تعود لإمتاعك؛ فلا تملها ولا تفقدها!
- هذا فصل الصيف ومعه ينتقل من استطاع بترحال وسياحة ومتعة الاستطلاع والتعرف على ثقافات البلدان والمجتمعات، ومعه يتجدد النشاط وتصفو الأنفس لتعود لعملها مجدداً بشوق ولإنتاج وإبداع أفضل، ومصاحبة أصحاب القلوب الطيبة والمشاعر المرحة مطلب كل مسافر؛ لكنها رغبة ترتبط بقِيَم وأدبيات راقية.
- فإذا كنت برفقة الأصحاب عليك أن تدرك أن خفة الدم موهبة ومِنحة ربَّانية لا تُستَهلك ولا تُبتَذل بغير زمانها ومكانها، ومهمة إسعاد المُحبين والأصحاب تُعَد شاقة دقيقة لا يُحسنها إلَّا ماهر موهوب، فلا مجال للتصنع والاستهبال وتقليد الغير بما استُهلك ودخل دائرة الاستهجان.
- قال أجدادنا: الرفيق قبل الطريق؛ ولن يكون رفيقاً جيداً إلَّا إذا اتَّصف بصفات منها خفة الطينة والمبادرة بالتعاون والتلطف بالأحاديث والقَصَص، واختيار الوقت المناسب لتزجية وقت مِن المرح والفكاهات المناسبة للمجموع دون تَعَدٍّ على الأذواق والخصوصيات، والحاذق اللَّبِق من يكتسب من رحلاته وأسفاره حكايات وذكريات وقصصاً لطيفاً مفيداً؛ ومِمَّا قيل:(السفر يتركك صامتاً حيناً لتعود مُتحدثاً غزير المواقف والتجارب).
- حين يقول الأجداد هذه الحكم البليغة؛ فماذا عنَّا نحن؛ وماذا نقول عن أهمية أسفارنا وترحالنا للفائدة والاستجمام؟! فلعلي أقول: إنها لا تُحتسب رحلة إن كنا سنبحث خلالها عن المبادئ والمُثُل العليا كمن يفقدها، فيلزم أن تكون هي برفقتنا بِحِلّنا وترحالنا فنحن أهلها وبكل فخر! وإن كنا نسافر بحثاً عن الجمال بكل اشتقاقاته ولم يكن أصلاً بدواخلنا ويصحبنا فلن نعثر عليه أبداً.
- ومن جماليات السفر أن نؤمن بأننا نَحِل بين أقوام لهم عاداتهم وتقاليدهم وثقافاتهم وانظمتهم، وكما نُحب أن يحترموا ما عندنا فلنحترم ما لديهم، ولا تَستَهِن بقوم وإن كانوا دونك بمعدلات المعيشة والثقافة والإمكانات، فإنك بينهم تكتسب المعارف، فتعلم واعتبر.