في واقع متشبع بالفوضى والتراكمات المادية، نشعر بالاغتراب والضياع، فيصبح الإنسان مجموعة من ذرات الهيدروجين تتحرك بلا غاية ولا هدف. ويفقد الوجود معناه، والقيم التي كانت تربطنا تتلاشى وتتبدد، وكأن الإنسان نسي نفسه وقيمته ومعنى وجوده. هذا هو السر الذي تكشفه الأية القرآنية {نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}.
هذا الفقدان العميق للمعنى والقيمة يستمد جذوره من الفقدان الروحي والعقائدي. وانفصال عن القيم العليا، فبدون لإيمان يتحول الإنسان إلى كائنًا بلا قيمة، يتسمم كل شيء حوله، ويصبح الوجود مجرد مسرح عبثي لأحداث بلا معنى. فإذا أردت أن تدمر إنسانا فما عليك إلا أن تنزع منه غاية وجوده، ويعبر عن هذا الفقدان الملحد الوجودي- جان بول سارتر Jean Paul Sartre - في روايته غثيان: «لا داعي للوجود على الإطلاق وليس للحياة معنى، فأنا قد ظهرت صدفة كجرثومة لم يكن لي أن أوجد على الإطلاق».
هذا الواقع الذي يصفه هو تجسيد للأزمة الوجودية التي تولد من العقل المنفصل عن الروح والقيم.
فإذا أردنا استعادة قيمة الإنسان ومعنى وجوده، علينا أن نربط العقل بالروح والقيم مجددا، وأثمن ركيزة نرتكز عليها هي تكون متكئا على الإيمان، فهو كالبوصلة التي نسير نحوها كلما شعرنا بالتيه. فإن الإيمان بالله إيمانًا خالصًا، يمنح الإنسان الثبات والرسوخ الذي يحتاجه في هذا العالم المضطرب، فإن الإنسان الذي يتمسك بقيمه ومبادئه الثابتة، يكون هو كبوصلة لأولئك الذين تاهوا في العالم المتلاطم.