قد يفهم البعض حين يقرأ العنوان أعلاه أني ادعو إلى افتعال المشكلات في البيوتات وأحث على مزيد من الخلاف والخصام بين الأزواج، وحاشا ذلك وكلا وربي، إنما أردت أن يكون بمثابة الإعلام والإخبار بأن ملح الحياة الزوجية والاجتماع لا يستقيم إلا بحدوث أنواع من المشكلات الطارئة واليسيرة أو القوية في جميع البيوت حتى وإن بدت للناس والقريبين من تلكم البيوت أنها سعيدة أو خالية من المشاكل، فهو بمثابة من يعتقد أن الكتابة على الماء أو الهواء أمر سائغ ومستطاع، وذلك من المحال بل هو مستحيل عقلاً وشرعاً، بل ليس بعد أشرف الخلق وأزكاهم حديث أو كلام ، فبيته عليه الصلاة والسلام هو أفضل البيوت وأزكاها، وهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاشرة لأهله، وأكملهم خلقاً وتعاملاً مع زوجاته عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك كان -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للزوج الحكيم الحليم الرحيم في تعامله مع طباع أهل بيته دون مبالغة أو تهويل، بل مع ما يناسب الموقف، فكان يواجه ما يقع في بيته أو خارجه من المشاكل ويستوعبُها في بدايتها حتى لا تَكْبُر أو تتضخم، وذلك بحكمة ورحمة ولين ليكون أسوة حسنة للناس في ذلك ويهتدوا بهديه ويستنبطوا ما يعينهم في احتواء المشاكل مع أهليهم، فاستخدم طرقًا وأساليب مختلفة بحسب ما يقتضيه الموقف دون أن يحدث نفسه أنه نبي وأن أمره وقوله مطاع، أو كما يحلو للبعض أن يفاخر بأنه صاحب القوامة والكلمة في المنزل وما يقوله يُنفذ من دون تردد أو اختيار، بل نوّع عليه الصلاة والسلام في الأسلوب فمرة يستخدم الابتسامةَ والدَّعابة، ومرة يستخدم أسلوبَ التغاضي وقت الغضب، ومرة أخرى الحوار والإقناع أو العظة والتذكير، وتارة أسلوبَ التروي والتثبتِ والتحقق من المشكلة قبل إصدار الأحكام.
مشكلتنا جميعاً أننا نعتقد في قرارة أنفسنا أن جميع ما نشاهده ظاهرًا لنا سواء من الأخبار أو النقولات عن قصص الحب والسعادة التي تنعم بها بعض البيوتات أنها تخلو من المشاكل الأسرية والخلافات العائلية، وذلك من المحال قطعاً بل هو من المستحيلات، وأذكر أنه مرة من المرات أقبل إليّ أحد الشباب يقدم لي الدعوة لحضور زواجه فوافق ذلك الموعد وقت سفر لدي فاعتذرت منه بلباقة وقلت له حق علي أن أمنحك وصية قد تستغربها نوعاً ما!! فقال بكل سرور أتقبلها، فقلت: من الممكن أن تتخاصم أنت وزوجتك في أول ليلة من زواجكم!! رد علي مباشرة: (فال الله ولا فالك) يا دكتور! قلت ممكن! وكل شيء جائز حدوثه في هذا الزمان! ولكن خذ مني هذه النصيحة واجعلها نصب عينيك! قد يأتيك الشيطان وقت الخصام والاختلاف ويخبرك بأنك أخطأت الاختيار و(اللي هذا من أوله ينعاف تاليه) ويحدثك بحديث نفس شيطاني أنك يبدو مقدم على سيل من المشاكل التي لا حصر لها ولا نهاية ويبدأ يعظم ويفخم لك المشكلة حتى تصبح زوجتك أقبح ما تتصوره أمامك! ولكن اعلم علم اليقين أن هذه الخلافات هي بمثابة ملح الطعام وهي من الزوجية بمكان ولو كشفت لك الحجب والأستار وأزيلت هذه الجدر من البيوت لرأيت شيئاً من الأهوال! لكن كل ما عليك فعله هو مغادرة المكان حال احتدام النقاش والرجوع بعد فترة من الزمن وقد هدأت الأعصاب وارتجع النفس بعد انقباض وكأن شيئاً لم يكن، ثم إياك أن تفاتحها بما حصل حتى ولو فاتحتك بذلك بل قل هذه سحابة مرت وأمطرت وغادرت بسلام! ابتسم الشاب من كلامي وقال ما حاصل إلا كل خير إن شاء الله. ودعته بسلام والتقيت به بعد أشهر وأيام وإذا هو يقابلني بابتسامة عريضة كبيرة ويقول يا شيخ: هل تتكهن أم ماذا؟ قلت ما الخبر؟ قال والله أنه حدث ما قلته بالتمام والكمال في صبيحة زواجنا وشعرت بما قلت لي وجاءتني الأفكار السيئة والتخيلات الخاطئة فتذكرت وصيتك لي خطوة خطوة فسارعت إلى الخروج من الباب وأنا لا أعرف أين أذهب ثم غبت عشرين دقيقة وبعدها اتصلت بها واقترحت عليها الخروج للغداء فوافقت وخرجنا سوياً وكأن شيئاً لم يحدث! هذه الواقعة لها أكثر من خمس سنوات، قابلته مؤخراً فأخبرني بأنه -ولله الحمد- رُزق بطفلين وأنه يعيش بسعادة وهناء. قال: بل واتخذت هذه الطريقة منهجاً وأسلوباً في حل الكثير من المشكلات التي تعتري حياتنا الزوجية.
البعض -للأسف- يساوي في تعامله بين زوجه وبين أصدقائه وما يحصل بينهم من خصام وفراق وهجر، وحدثني من أثق فيه بأن له شهراً كاملاً قد هجر زوجته لا يكلمها ولا تكلمه وهم في بيت واحد!
لا نعلم أن هناك من تخاصم مع يده أو قدمه أو عضو من أعضائه بل ذلك يعد ضرباً من الجنون ومثاراً للاستغراب، فيا أيه السادة اجعلوا بيوتكم الزوجية كالجسد الواحد أن تعب أو مرض أحد أعضائه بادر بالعلاج وليس بالقطع!