فضل بن سعد البوعينين
أظهرت بعض مقاطع الفيديو المتداولة، والحاصلة على مشاهدات مرتفعة، هجوم قردة البابون على متنزهين في بعض المواقع السياحية في المملكة. مقاطع تم تداولها للتندر، غير أنها تضمنت رسائل سلبية عن السياحة في أهم الوجهات السياحية، فمخاطر القردة لا تتوقف عند مصادرة الطعام، بل تتجاوزها إلى مهاجمة الأشخاص، ونقل العدوى لهم، وسرقة حاجاتهم، والعبث في مركباتهم، وربما مهاجمة الأطفال بعدوانية قاتلة، أو انتشال الرضع والهروب بهم إلى مواقع تجمعهم في أعالي الجبال. لا تقتصر اعتداءات القردة على السياح في المواقع السياحية المعروفة بل تتجاوزهم إلى الأحياء السكنية والمزارع والممتلكات والسكان الذين يعانون الكثير بسبب هجماتها الدائمة ومخاطرها المرتفعة. تتحرك قطعان القردة نحو الأحياء والوجهات السياحية بحثاً عن الماء والغذاء، فتكاثرها المستمر، ومتوسط عمرها المرتفع، وغياب الحيوانات المفترسة التي كانت تسهم في تحقيق التوازن البيئي أسهم في زيادة عددها بشكل مخيف، وبالتالي حاجتها إلى مزيد من الطعام الذي لا يتوفر في بيئتها المعزولة.
المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية حدد 6 مناطق ضمن المناطق المتضررة، وأكثر من 500 بؤرة تتواجد وتتكاثر فيها قِرَدة البابون، وأصدر توصيات لمعالجة مخاطرها ومنها التعامل معها بطرق مختلفة لإبعادها عن المناطق المأهولة، وتعقيمها لمنعها من التكاثر والتأكد من عدم وجود الإطعام المباشر أو غير المباشر «النفايات».
رئيس المركز وعد في يناير الماضي، بحلول تدريجية لإبعاد البابون بنهاية العام 2023، وهي وعود تتكرر منذ العقد الماضي دون أن نرى نتائج حاسمة على أرض الواقع.
دراسات مطولة يقوم بها المركز بالشراكة مع خبراء أجانب، تستنزف ميزانيات ضخمة، وتقدم توصيات مكررة، ووعوداً لا تحقق الهدف الرئيس وهو حماية المدن والقرى والمزارع والوجهات السياحية من خطر القردة. فالدراسات والتوصيات وبرامج المكافحة بدأت منذ العام 2013م وربما قبل ذلك بكثير، وكان التعقيم والإبعاد من أهمها، غير أن عدد القردة نما بشكل مخيف منذ ذلك العام وحتى يومنا هذا، ما يؤكد عدم نجاعة الحلول المطروحة، أو البرامج المنفذة، ويستوجب إعادة النظر فيها، وطرح حلول جديدة لمواجهة خطرها على الإنسان والمكان والقطاع السياحي الذي سيتأثر سلباً بتواجدها وتهديدها السائحين في أهم الوجهات السياحية في المملكة.
تقليص عدد القرود بشكل حاد، وخفضه للحد الأدنى، وحصرها في أماكن معزولة، يفترض أن يكون الهدف الرئيس للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وهو أمر لا يمكن تحقيقه من خلال التوصيات الحالية، التي أثبتت التجارب عدم قدرتها على وقف تكاثر القردة وزيادة عددها، فضلاً عن خفض عددها.
المركز في حاجة لاتخاذ تدابير عاجلة لمكافحة قردة البابون وخفض عددها ومن ثم السيطرة على ما تبقى منها في بيئتها المعزولة وحماية الأحياء السكنية والمزارع والطرق والوجهات السياحية منها. ومن أهم تلك التدابير إقرار خطة القتل الرحيم، وهو أمر مقبول شرعاً لوجود الضرر، ومن أدوات المكافحة المطبقة عالمياً لكل ما من شأنه الإضرار بالبيئة والإنسان. فالسلطات الأسترالية قامت بقتل قطعان الإبل البرية بحجة تلويثها البيئة. وفي الغرب يتم تطبيق القتل الرحيم على الكلاب الضالة التي لا تجد من يرعاها. وفي المطارات الغربية يتم قتل الطيور التي تهدد أسرابها محركات الطائرات. وفي العام 2016 أعلنت نيوزيلندا عن مبادرة «خالية من الضواري» التي تستهدف قتل بعض الحيوانات المفترسة للمحافظة على البيئة.
قد يكون تصدير القردة لبعض الدول المهتمة من أدوات المكافحة الفاعلة. فلأول مرة يشهد العالم آلية تسديد الديون مقابل تصدير القرود، حين قدم وفدٌ صينيٌّ طلباً من وزير الزراعة السريلانكي الحصول على القرود، في صفقة تبادل بين البلدين يمكن أن تساعد في سداد 7 مليارات دولار تدين بها سريلانكا لبكين. وبالرغم من تعثر الصفقة، إلا أنها كشفت عن رغبة بعض الدول في استيراد القردة، لأسباب مختلفة، ما يجعله خياراً مطروحاً للنقاش والدراسة وربما التنفيذ.
وفي جميع الحالات فحياة الإنسان، وسلامة بيئته، مقدمتان على ما سواها من شعارات حقوق الحيوان والنظريات البيئية. كما أن الاقتصاد الوطني، وتحفيز قطاع السياحة ومعالجة التحديات، يجب أن تكون له أولوية الرعاية، ومنها معالجة أزمة القرود؛ التي تتفاقم منذ عقود؛ بكفاءة وفي فترة زمنية قصيرة تضمن جودة المخرجات ونجاح البرامج وفاعليتها. وهذا ما نأمله من المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وكل من له علاقة بالتنمية السياحية، والوجهات السياحية المتضررة.