عبدالمحسن بن علي المطلق
مدخل
كم من تلميذ اليوم يدعو لأستاذ مرّ عليه فكان -الأستاذ- سبباً لما بلغ؟
إن هي أيام.. لبدء العام الدراسي، أو هو أوشك، لأقول عما استحثّتي الكتابة عنه، ولو من جانب يكون طرفه خفي وبنفس الوقت مهم (..النظر لحالة المخفق من التلاميذ)، باعطائه جرعة اهتمام ولو لردفه ليبلغ أواسطهم
لأن هذه الجزئية ما لا يلتفت لها من الأساتذة سوى الألمعي، بالذات ممن يحسب لاتقانه حُسبانا في يوم المعاد، هذا.. مع ما سوف يحمد عليه مستقبلا، لأكرر من جهة أوقر للمعلومة.
كم من ناجح عزا ذاك لأستاذٍ رعى نواعم بذره وربما ما تركه حتى ذاق من طرحه أي (ساعده) مساعدة تشجيع واهتمام- لا شيء آخر-، ليجتاز عقبة كادت تودي بالحلم العلمي الذي يأمّله، وكلنا لديه أحلام..
سندي بهذه (واقعة):
«يوما حلّ معلم مكان آخر.. لظرف طارئ وحين بدأ بشرح الدرس.. سأل أحد التلاميذ فضحك زملاؤه..
ذهل المعلم وأخذته الحيرة والدهشة.
– ضحكٌ بلا سبب –
فأدرك من خلال نظرة ثاقبة بهم أن ضحكهم لأن السؤال وُجّه لأكسلهم أو كذا في حسبانه، فقرر معالجته وبذات الوقت تأديبهم على تلك الضحكة، ولله درّه..
لأن أولى مهام المعلّم التربية، ولا غرو، فالأدب يسبق العلم، ألم يقل أحد تلاميذ الإمام مالك أخذنا من أدبه أكثر مما تعلمناه من علمه.. رحمه ربه، هذا..
فأحد وجوه التربية (تقويم) السلوك، وهذا العمل لا يقوم به إلا من أممت ذاته قبل تحقيق نص (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتمّه)، فما أن خرجوا من الصفّ إلا واختلى به ثم كتب له بيتاً من الشعر على ورقه وناوله إياه.. قائلا: (يجب أن تحفظ هذا البيت حفظاً كحفظ اسمك ولا تخبر أحداً بذلك).
وفي اليوم التالي تعمّد المعلم كتابة ذات البيت على السبورة، وقام بشرحه مبينا فيه المعاني والبلاغة و.. إلخ.
ثم مسحه واتجه تلقاء التلاميذ: من منكم حفظ البيت يرفع يده؟
لم يرفع أي تلميذ يده باستثناء ذلك التلميذ رفع وباستحياء وتردد، فقال للطالب قم فأجب..
أجاب التلميذ بالبدء بتلعثم، وعلى الفور أثنى عليه اللاستاذ ثناءً عطراً، وأمر عندها التلاميذ بالتصفيق له.. الذين هم بين مذهول ومشدوه، أو متعجّب ومستغرب..
تكرر المشهد خلال أسبوع بأساليب مختلفة وتكرر المدح والاطراء من المعلم والتصفيق الحاد من الطلاب.
بدأت نظرة الزملاء تتغير نحو زميلهم، فيما هو -كذلك- بدأت نفسيته تتغير للأفضل مع ثقة انسابت إليه ليراها بالقدر الذي يجب وفعلا .. {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ...}.
وطال الأمر إلى أن أتى بيوم ليكتب الواقعة مرسلا بها للأجيال..».
لأقول..
إنه (هنا) يتّضح ما هو أكبر، أن الناس نوعان:
نوع مفاتيح للخير مغاليق للشر، يحفّز.. يشجع.. يأخذ بيدك... يمنحك الأمل والتفاؤل.. يشعر بشعور الآخرين، وهذا بالفعل صاحب مبدأ ورسالة.
ونوع آخر.. من مفاتيح للشر، تجده مثبط.. مُحبّط وربما قنوط.. ليس له مهمة يعزز بها ذاته سوى وضع العراقيل والعقبات أمام كل جادّ، دأبه الشكوى والتذمّر والضجر، وينتهي الى ندب الحظ!
وأزيدكم..
فمن كلمةً أكبرتها للدكتور غازي القصيبي يوم كان محاضراً بالجامعة، ما زالت بي علقة (أي طالب يرسب عندي، اعتبر الخطأ من عندي ابتداء)، معللا رحمه الله بـ..
ربما لم أُحسن إيصال المعلومة - له -.
وهذا وطئ على أكناف الذات، وتواضع من صاحب زاوية «في رأيي المتواضع»- عمود صحفي كان بعهدا من الزمن-.
اشارة....
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» السلسلة الصحيحة.
صدقوني هذا الحديث، وحديث آخر: في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فالأول يخرج أعماق ما لدينا من التفاني الواجب لإتمام أيّ عمل..
فيما الآخر ينتزع الأنانية من أعماقنا، وحسب ما لتلكما من أنّ لأهلهما (قدرا) لا يضاران فيه من أي منصف.