ليلى أمين السيف
القصة الثالثة
بالطبع موظف الجمارك في الدانمارك طالبني بأصل الإقامة بعد أن أعطيته صورة من إقامتي السويدية وأريته الإيميل الذي أرسلته لدائرة الهجرة السويدية فور اكتشافي اختفاء إقامتي. والحق يذكر فإن موظفي مطار كوبنهاغن جداً رائعون ومتفهمون فتفهم موقفي وسمح لي بالدخول.
كنت قد قررت أن أحجز من كوبنهاغن لقطر ثم السعودية لأنه لا يوجد طيران مباشر للأسف للسعودية لكن ضياع الإقامة لخبطني ومع ذلك أصررت..
كان تحليل PCR قد انتهت مدته ولابد من تحليل آخر والتحليل يلزمني الانتظار حدود 12 ساعة على أقل تقدير ودفع مبلغ غير محترم للأسف..
وكأن الأمور لا يراد لها التسهيل فقد تفاجأت بضياع إحدى الشنط فقلت لا بأس سوف أسافر وأترك الشنطة تعود للسويد.. لكن الفحص يعني الانتظار أيضاً في المطار وأنا تعبة وجائعة وليس لدي ملابس داخلية على الأقل والمطار بارد.. وفي الحقيقة فإن إحدى الصديقات كلمتني وقالت لا تجازفي يا ليلى فلن تستطيعي العودة بدون إقامتك السويدية التي تعبتِ لأجلها وكلها سنتان أو ثلاث وإن شاء الله تحصلي على الجنسية فلا تضيعي تعبك.. قلت لها ولكن التأشيرة ستنتهي حين أستلم الإقامة الجديدة فقالت حاولي إنك تسوين تأشيرة أخرى ولكن أصبري..
من أين لي أن أجمع ثمن التذاكر والذهاب للسفارة في استكهولم من أجل استصدار التأشيرة ورحلات الذهاب والعودة من وإلى بلدتي واستكهولم وكوبنهاغن.
نظرت بحسرة لنفسي وتذكرت أبي رحمه الله حين كان يتمتم بصوت هامس وعالٍ «يارب». فبدأت أكررها يارب.. يارب.. يارب..
أثناء ذلك الوقت كانت صديقاتي الحبيبات يطبطن عليّ ويقلن لا تخشي شيئاً سوف نساعدك وندفع لك ثمن التذاكر ولكن أصبري..
أبلغت المسؤولين بفقدان حقيبتي أنا وزميلتي التي فقدت واحدة من حقائبها أيضاً..
ثم حاولنا الحجز بالقطار لنتفاجأ بأن هناك عطلاً بالإشارة «SIGNAL» مما استدعى نقل المسافرين من السويد إلى كوبنهاغن وبالعكس بالحافلات وكان الطابور أكثر من كيلو يمكن ووقفنا على أرجلنا 6 ساعات وحجزنا للباص بعد صرف اليورو إلى كورونة دانماركية لأنهم لا يتعاملون إلا بعملتهم المحلية وكانت رفيقتي في الرحلة بلا هاتف ولا نقود وعندما دفعت لها - ديناً - لكل الرحلات قالت لي أنت طيبة الله يجزاك كل خير.. قلت لها ما أدراك إنك أنت الطيبة وأرسلني الله لك لأساعدك..
بالطبع هي حولت لي كل المصاريف بعد أن رجعت مدينتها..
المهم جاء دورنا وركبنا الباص واجتزنا الجسر الذي يصل البلدين حتى وصلنا للسويد وبدأ التفتيش وسألوني عن إقامتي فأعطيتهم هويتي السويدية وجوازي وصورة لإقامتي فسألوني أينها فأريتهم البلاغات التي قدمتها بالإيميل لدائرة الهجرة السويدية والبوليس السويدي فسألني كذا سؤال بالسويدي لمدة خمس دقائق وعندما تأكد أني أعيش في السويد فعلاً سمح لي مشكوراً بالدخول.
وصلنا لمحطة مالمو الأساسية «Malmo C « ومن هناك شبكت النت بالمحطة وحجزت لي ولرفيقتي ودفعت عبر التطبيق البنكي وانتظرنا 4 ساعات أخرى حتى جاء موعد القطار.
اتصلت بجاري «ناحوم» الأرتيري الطيب الذي في عمر ابني وشرحت له ماحدث وهو الذي اصطحبني فجر الجمعة لمحطة القطار مع زوجي مودعين لي..
فقال لي إنه سيأتي ليأخذني من المحطة لأنه لاتوجد باصات ولا قطارات حتى السادسة وأنا سأصل الساعة 2 وربع وكان الجو بارداً..
جاءني ولله الحمد في وقته ووصلت بيتي الساعه 4 فجر الأحد وقد أشرقت الشمس وكنت خلالها أبكي وحزينة..
ولكن كلام فدوى زميلتي ثاني يوم الأحد كان بلسماً أيقظني من ذهولي..
كنت أتساءل ما هو ذنبي هل أنا عاصية هل أنا سيئة لهذا الحد وأنا التي استخرت وبحثت جيداً وحتى أن الأمور تيسرت لي بشكل لا يعقل..
فقالت لي.. إن الأنبياء والصالحين كلهم قد ابتلوا كثيراً وتذكري أن هذا كي يعظم قدرك فاصبري والحمد لله أن جعلها الله تعباً وجهداً ومالاً.. ولك الأجر..
تساءلت بعدها كيف أكتب عن الصبر والأجر.. كيف أنصح زوجي وأبنائي وأصبرهم وكل كتاباتي وأحاديثي عن الصبر والبلاء وثواب ذلك.
كيف أكتب عن الجوائز وأنا أهلع من حادثة بسيطة.. فكيف لو أصبت بالأكبر من ذلك.. إنما هو مجرد مال مسكوب وقلب موجوع ولهفة موؤودة والحمد لله أنني ومن أحب بصحة وعافية وبالتأكيد سترين الأحبة إن كنت من أهل الدنيا.
الحمد لله على كل حال وإني أبرأ إلى الله من هلعي وغضبي وجزعي ومن زعلي وأسفي وحزني والمي وأعوذ بالله أن أكون ممن يقول مالا يؤمن به..
كتبته ليلى ابنة -أبوها - أمين المشهري رحمه الله وعفا عنه وعننا وعن موتانا أجمعين..
ورزق الله أمي وأهلي وإياكم الخير كله..