أحمد المغلوث
الفن التشكيلي السعودي جمال قبل أن يكون أي شيء آخر.. وعن طريق هذا الجمال تنتقل الفكرة الجمالية من فناننا التشكيلي إلى المشاهدين.. فلوحات فنانينا إذن على اختلاف اتجاهاتهم وأساليبهم إنما تسعى وتهدف إلى نقل الجمال، وتأكيد معانيه وقيمه المختلفة، يؤكد هذه المقولة ذلك الإعجاب الشديد الذي يعبر عنه المشاهد للأعمال الفنية، ومدى ما تثيره في نفس من انبهار ومتعة.. لوحات فنانينا هي التعبير الأصيل عن وجدان فناننا السعودي وانفعالاته أمام الأحداث الحياتية وصراعه وكفاحه اليومي.. أعمال فنانينا تنبعث استجابة لإحساس وتعبر عن شعور هو لغتنا الحقيقية لغة نفوسنا وقلوبنا.. من هنا كان الفنان التشكيلي خير من يرسم صورة صادقة عن ارتباطاتنا الإنسانية التي لا تنفصم عن مجتمعنا وبلادنا الحبيبة. بلادنا الطموحة والزاخرة بكل المعطيات، والتي باتت في هذا العهد يشار لها بالبنان في كل مكان، بل بات فننا التشكيلي يحظى -ولله الحمد- بتقدير العديد من دول العالم، فمشاركاتنا ومن خلال الدعم الكبير الذي تقوم به مؤسسة مسك الخيرية، ومن خلال معهد مسك، من دعم وتشجيع، وحتى تقدير كبير من قبل قيادتنا الحكيمة، ولا يمكن أن ننسى أو نتناسى دور وزارة الثقافة الوثابة في هذا المجال. وهكذا نجد أن فننا التشكيلي بات مرآة تعكس هذا وذاك، ونحن بهذا نعطي هذا الفن أهمية أكبر من مجرد الاشتراك به في المعارض الفنية.. وأكثر من قتل أوقات فنانينا في هذه الأعمال، لأن أهمية فننا التشكيلي تفوق أهمية ما سواه، وله أثر أشد وأبقى على الناس.. ربما لكونه يصل إلى ما هو أبعد من ذلك، يصل إلى كل الطبقات وإلى كل الفئات والثقافات.. فإذا أضفنا إلى كل ذلك أنه يحمل انفعال الفنان الذي قرأ ودرس وشاهد إلى جانب نهمه لمجتمعه. وكذلك الفنان الفطري المبدع والموهوب.. جميعهم باتوا يساهمون بجهودهم وإبداعاتهم، ومن خلال أساليبهم المختلفة في إثراء الوطن وغير الوطن بالإبداع الوطني، مجسدين جوانب من تاريخه وتراثه، وحتى انطباعات مختلفة ذات نظرات مستقبلية، وبالتالي فلا عجب أن تجد روح الأمة وثقافاتها وتطلعاتها المتطورة في هذا الفن الخالد. وعندما نقول ذلك فلا نبالغ.. أليس ما تركه الأجداد من آثار في العديد من المواقع التاريخية في مدائن صالح والمدينة المنورة ومكة المكرمة ونجران والأحساء، وبين فترة وأخرى يكتشف علماء الآثار العديد من اللقى والمنحوتات والرسوم الصخرية في أكثر من موقع، أدع ذلك ومنذ آلاف السنين من استوطن هذه الأرض الطيبة. وهذه الآثار تضاعف يوماً بعد يوم من دور فننا التشكيلي في الماضي والحاضر، والذي يدعو إلى وجوب تشجيعه، وهذا ما تفعله كل الجهات المعنية من جامعات ومعاهد. ولا يختلف اثنان على أهمية وأصالة التعبير عن طريق الفن.. حياتنا بين الشد والجذب بين عمل اليوم وأمنيات الغد وأحلام الماضي.. حياتنا هذه تمضي سريعة بلهاء وتافهة لا طعم لها ولا قيمة إن لم تسجلها لحظات يانعة من خلال الأعمال الفنية.. لهذا كله اكتسب خلوده وقوته.. وكانت الأعمال الفنية على اختلاف ألوانها أعمالاً باقية ما بقيت الحياة حية ما عاش الناس، لأنها تذيب الزمن في معنى، وتجعل من أمسنا ويومنا ومستقبلنا كلاً يرتبط بذاتياتنا في الحياة.. من خلال لوحاتنا وأعمالنا الفنية الإبداعية المختلفة. وماذا بعد، لقد جاء في كتابة مقدمة عن الآثار بالمملكة ما يؤكد أن شرق الجزيرة ساهم مساهمة فعالة في قيام إحدى الحضارات القديمة للإنسان. ودليل ذلك ما تراه من بقايا الآثار في (تيماء) (والفاو) (والقرية) (والعلا)، كل هذه المناطق أنتجت حضارات فنية وعميقة. متنوعة، وأنتجت فنوناً عديدة ذات قيم عظيمة لا يزال أثرها باقيا وخالداً في بلادنا حتى اليوم.. وفننا التشكيلي اليوم نجده متأثراً بما يجاوره وما يرده من أفكار واتجاهات ومدارس فنية، تظهر لدى البعض من فنانينا، ويبتعد عنها البعض الآخر.. منهم من يتجه إلى الأسطورة والتراث والبيئة، ومنهم من يلجأ إلى أساليب أخرى معاصرة ومستقبلية، ويؤكد ما نشير إليه هنا التنوع الرائع، والذي يشكل لوحة فسيفسائية قمة في الإبداع. تجسد إبداع الفنان السعودي المعاصر مهما اختلفت أساليبه، والذي يعيش حياة مفعمة بالتقدير والاهتمام من قبل قيادة بادلته حباً بحب. شكراً مؤسسة مسك ومعهدها المتألق ووزارة ثقافتنا الرائعة.. وقبل هذا وبعد هذا شكراً وطننا الحبيب.