لو أن شخصاً قال لك إن هذا الرجل رفيق صباي فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك أن هذا الشخص مساوٍ له في عمره أو على الأقل قريب منه لكن أن يكون فارق العمر بينهما كبيرا إلى حد يتجاوز الـ30 عاما فإن ذلك سيكون محل استغراب لديك بل لدى معظم الناس.
وهذا هو حالي شخصياً مع رفيق صباي الفقيد الراحل عبدالله بن أحمد بن زيد المسعود -رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - الذي انتقل إلى جوار ربه قبل أيام مخلفاً وراءه أثراً طيباً وذكراً حسناً وتعاملاً يعد قمة في الخلق الرفيع وقد شهد جنازته جمع غفير من المشيعين من داخل محافظة الزلفي وخارجها.
إنني أعتز بأنني أعتبر هذا الرجل الفاضل رحمه الله رفيق صباي رغم الفارق الكبير في العمر بيني وبينه
لقد تعاملت معه منذ ما يزيد على 50 عاماً عندما كنت صبياً اتردد على دكانه الذي يقع في الجهة الغربية من السوق القديم بجوار مكتب الخطوط السعودية آنذاك، إذ كنت أتردد على السوق أكثر من مرة في الأسبوع قادما من قريتنا (الأثلة) لجلب منتجات مزرعتنا التي كانت غالباً تقتصر على العنب والبصل وبعد إيصالها للسوق أمر بدكان هذا الرجل بعد حصولي على قيمة الصفقة الماضية واشتري منه ما يطيب لي مما يستهوي ممن هم في سني وكان يستقبلني بكل بشاشة كعادته مع الجميع وعندما لا يكون معي مبالغ مالية يقول لي: «خذ اللي تبي وإذا جيت المرة الثانية مر علينا وحاسبنا» ورغم صغر سني وعدم معرفته بي معرفة تامة إلا أنه كان يتعامل معي تعامله مع الكبار الذين يعرفهم ويثق بهم. وكانت مشترياتي لا تتجاوز قيمتها ريالين أو ثلاثة كحد أعلى لكنها بالنسبة لي تعني الشيء الكبير في ذلك الوقت.
إن هذا الرجل الفاضل رحمه الله يعتبر أحد رواد تجارة المواد الغذائية «جملة ومفرق» في محافظتنا وما جاورها وكان لمؤسسته دور مهم في دعم الحركة التجارية في محافظتنا وكان رحمه الله طيلة هذه السنوات التي قضاها سواء في دكانه القديم أو في محلات مؤسسته التي تطورت فيما بعد وأصبحت من المؤسسات الرائدة في هذا المجال كان رحمه الله مثالاً يحتذى في حسن التعامل في البيع والشراء، وكان سمحاً بشوشاً لين الجانب، وذا خلق رفيع وأمانة وصدق مع الجميع صغاراً أو كباراً (نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا) وكان بحق وحقيقة يطبق الأثر الوارد (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى).
إن لهذا الرجل أفضالاً كثيرة علي شخصياً وعلى كثير من الأفراد وكثير من الأسر في التوسيع عليهم ومراعاة ظروفهم هذا غير ما كان يقدمه من صدقات في السر لبعض الأسر المحتاجة كما نقل لي من أثق به، ولم يقتصر تعامل هذا الرجل الراقي مع زبائنه بل كان ذلك مع العاملين معه الذين يعملون لديه في الفرع الرئيسي للمؤسسة أو فروعها المختلفة ولا غرابة في أن يمضي أحد العاملين لديه ما يقارب الـ40 عاما حيث أقامت له المؤسسة حفل توديع قبل سفرة لبلاده الهند، ولم أستغرب وأنا اشاهد في مقر العزاء بعض العاملين لديه يذرفون الدموع وهم يتلقون العزاء من المشيعين في فقيدهم رحمه الله فقد كان رحيله ذا أثر بالغ على الجميع.
وعملا بما ورد عن المصطفى عليه الصلاة والسلام (من أسدى إليكم معروفاً فكافئوه فإن لم تستطيعوا مكافأته فأدعوا له).
اللهم أغفر لفقيدنا (أبي أحمد المسعود) وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة واجزه عني وعن كل من وسع عليه، وأحسن معاملته خير ما تجزي به عبادك الصالحين واجعله ممن قلت فيهم {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} اللهم آمين
** **
داود بن أحمد الجميل - الزلفي