د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ينعكس أهمية انعقاد القمة الأولى لقادة دول الخليج العربي ودول آسيا الوسطى الخمس (أوزبكستان، تركمانستان، طاجيكستان، قرغيزستان، كازخستان) بمدينة جدة في 19 يوليو 2023 ترجمة لما أقره الاجتماع الوزاري الأول لوزراء خارجية دول الخليج ودول آسيا الوسطى في سبتمبر 2022 من خطة للعمل المشترك، لما يعكس حيوية منطقة آسيا الوسطى ومركزيتها في التنافس الإقليمي في ظل ما يمتلكه التكتلان من موارد وثروات طبيعية يجعلهما محط أنظار القوى الكبرى والإقليمية، وتنبع من أهمية المنطقتين الجيوستراتيجية والاقتصادية.
تأتي الأهمية الإستراتيجية لدول آسيا الوسطى إلى موقعها الإستراتيجي في قلب آسيا رغم أن ناتجها الإجمالي لا يتجاوز 300 مليار دولار مقابل 2.3 تريليون دولار لدول مجلس التعاون الخليجي، لكن تعتبر دول آسيا الوسطى تمتلك 34 في المائة من احتياطيات الغاز وكذلك 27 في المائة من احتياطيات النفط في العالم، وتحتوي دول الخليج على ثلثي احتياطي النفط وينتج ربع إجمالي العالم، مما يؤهلها لدور مؤثر في أمن الطاقة العالمي الذي تسعى له السعودية نحو قيادة قاطرة الطاقة في العالم.
كما أن دول مجلس التعاون الخليجي دول صحراوية وتبحث عن أمنها المائي والغذائي في آن واحد، فتعد كازخستان من أهم خمس دول في العالم في إنتاج القمح، وتتميز أوزبكستان بإنتاج قطن طويل التيلة، وهي تتميز بوجود قطاع زراعي واعد اكتسب أهمية بعد الأزمة الروسية الأوكرانية.
حيث يشكل التوجه نحو آسيا بشكل عام والوسطى بشكل خاص أحد التوجهات الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي من أجل تحقيق التكامل بين الفرص المتاحة وتطوير مجالات الاستثمار، وبحث الأولويات التنموية وتبادل الخبرات في ضوء خطة العمل المشتركة، لذلك رحب قادة دول آسيا الوسطى بقرار السعودية لاستضافة منتدى الاستثمار بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في الربع الأخير من 2023 وبمبادرتي تركمانستان وقيرغيزستان لاستضافة منتدى الاستثمارين بين دول مجلس التعاون ودول آسيا الوسطى في عام 2024.
اهتمام دول مجلس التعاون بدول آسيا الوسطى يعكس محورية منطقة آسيا الوسطى في إستراتيجيات المنظمات الإقليمية التي تسعى لإثراء شراكاتها الإستراتيجية مع الأقاليم الصاعدة، انطلاقاً من مبادئ وأهداف مجلس التعاون المنصوص عليها في النظام الأساسي لعام 1981 وإيجاد نوع من الشراكة وتطوير الآليات لضمان استدامة التشاور والحوار، اعتبر هذه القمة أعلايوف نائب وزير الخارجية الأوزبكي بالتاريخية لأنها تمثل شكلاً جديدًا من التعاون الإقليمي بين منطقتين مهمتين للغاية في العالم من حيث الجغرافيا السياسية والاقتصاد الجغرافي الذي يحمل أهمية إستراتيجية بالنظر للوضع الدولي الصعب، وهو يلبي المصالح طويلة الأجل لكلا المنطقتين، خصوصاً أن لدى السعودية مصداقية كبيرة وإمكانات مالية واقتصادية ليس فقط في الدول العربية والإسلامية بل في جميع أنحاء العالم.
رغم أن دول آسيا الوسطى حبيسة لا تطل على بحار لكنها منطقة تقع في قلب الأرض، وتمتلك من الموارد والثروات، ما يعني أن إقامة تكامل مع هذا القلب يمثل ضرورة إستراتيجية، حيث شكلت المنطقة في العقود الأخيرة مجالاً حيوياً للتنافس بين القوى الدولية لا سيما الصين والولايات المتحدة وروسيا التي خضعت المنطقة لسيطرتها منذ القرن التاسع عشر، وهي بمنزلة منطقة محايدة لمنع الاحتكاك بين القوى الدولية، ومساحتها أربعة ملايين كيلو متر مربع وهي أكبر من مساحة أوروبا، حيث تحيط بها كل من روسيا والصين وإيران وتركيا وأفغانستان وشبه القارة الهندية، ويتيح التمركز في هذه المنطقة الإطلالة نحو العمقين الحيويين الروسي والصيني شمالاً وجنوباً علاوة على العمق الحيوي الهندي باتجاه الجنوب والعمق الحيوي الإيراني باتجاه الجنوب الغربي والعمق الحيوي لكامل منطقة بحر قزوين باتجاه الغرب.
خصوصاً أننا نمتلك روابط تاريخية قديمة منذ الفتوحات الإسلامية التي قام بها عرب الجزيرة وبعضهم استقر في تلك البلاد، وما ترتب على ذلك من تقارب عرقي وديني وثقافي، وما تمتلكه هذه الدول خصوصاً أن كازخستان أكبر اقتصاد في منطقة آسيا الوسطى وهي عضو في أوبك+ وتمتلك كازخستان ثاني أكبر احتياطيات من اليورانيوم والكروم والرصاص والزنك وثالث أكبر احتياطي من المنجنيز وخامس أكبر احتياطي من النحاس، وهي من بين العشرة الأوائل من حيث احتياطيات الفحم والحديد والذهب، ومعادن نادرة أخرى يشجع دول مجلس التعاون على تعزيز التكامل خصوصاً أن السعودية بشكل خاص تتجه نحو مرحلة التحول نحو التصنيع وبشكل خاص تصنيع مستلزمات الطاقة المتجددة بعد توقيعها مع اليابان للحصول على التقنية في صناعة مستلزمات الطاقة المتجددة ويمكن الاشتراك في التصنيع في دولة ثالثة.
يعكس انفتاح دول مجلس التعاون بقيادة السعودية التي تؤكد وحدة الموقف الخليجي وتحركه تجاه الدول والمجموعات الإقليمية في عصر تتكاثر فيه التكتلات الاقتصادية وتزداد أهميتها، وهناك ما يزيد على 15 حوارًا إستراتيجياً قامت به الأمانة لتعزيز المكاسب الإستراتيجية بهدف تعزيز مكانة دول مجلس التعاون عالميًا وانتقالها من التكتل 13 إلى التكتل رقم 10.