د. محمد عبدالله الخازم
جاء قرار نظام الثلاثة فصول، ويبدو أنه فرض على الجامعات، حينها، بدليل تراجع أغلبها عن فكرة الثلاثة فصول، عندما أتيح لها ذلك. الموضوع أحرج الجامعات حين ظهرت بشكل يخل باستقلاليتها الأكاديمية. الجامعات تعاملت مع قرار الثلاثة فصول بشكل مرتبك، فلم تكن قادرة على رفضه، ولم تمنح الوقت الكافي لدراسته، ولا هي تملك الخبرة في إدارته وتغييره.. كنت، حينها، عضو هيئة تدريس ينطبق عليه مع الزملاء «أعمى يقود أعمى»، حينما مررنا بفترة لا الأساتذة مقتنعون أو لديهم الخبرة في مثل ذلك التحول، ولا القيادات الجامعية مقتنعة ولديها توجيهات واضحة.
المهم في النهاية كان علينا عبور النفق بأي شكل كان، ورفع تقارير الجاهزية بغض النظر عن دقتها.
لا أريد العودة للتفاصيل، والأسس العلمية المفترضة في عملية التحول من فصلين إلى ثلاثة، وكيف لم يتح لنا اتباعها حينها، فما يهمني ما يحدث الآن. تحديداً، بعض الجامعات تراجعت عن قرار تطبيق الثلاثة فصولة بسهولة، لكنها وقعت في مأزق التقويم التعليمي، حيث المطلوب العودة لنظام الفصلين، ولكن بتقويم زمني يعادل الثلاثة فصول. نفس فكرة التحول من فصلين إلى ثلاثة تحدث في العودة لفصلين، العمل بطريقة توافقية ليست علمية. فما هو الحل لهذا الإرباك في منهجية التحول من فصلين إلى ثلاثة والعكس؟
أعتقد بأن القرار المهم الذي يجب اتخاذه الآن للتخلص من هذا الإرباك، يكمن في فصل التقويم الزمني للدراسة في الجامعات عنه في التعليم العام. على سبيل المثال، تبدأ الدراسة في الجامعات في سبتمبر وتنتهي في مايو، كما كان معتاداً، ولها تدريس فصل أو فصلين صيفيين ما بين يونيو وأوغسطس. هذا هو الأصل والسائد في التعليم الجامعي، وهذا ما طالبنا ونطالب بعدم تغييره. لسنا مجبرين على بدء العام الدراسي وإنهائه في الجامعات والتعليم العام معاً في نفس الوقت، ولسنا مجبرين على توحيد الإجازات في قطاعات التعليم كافة، العام والجامعي.
فصل التقويم الدراسي للجامعة عن التعليم العام تتجاوز أهميتها الجانب الأكاديمي المتعلق بنظام الفصلين أو الثلاثة، إلى المساهمة في استقلالية الطالب الجامعي. وكما نعلم تكوين شاب مستقل معتمد على ذاته، يحفز المخرجات التي نرجوها من رؤية 2030 المتعلقة بتطوير القوى البشرية. طالب الجامعة ليس مثل طالب الابتدائية في حاجته إلى دعم أسرته في نقله وسكنه وعمله، وغير ذلك، فلم لا نجعله يعيش تجربة الاستقلالية تلك عبر تقويم دراسي مختلف؟ لماذا نريده أن يصحو ويسافر ويعيش وينتقل مع إخوته الدارسين في الصف الأول الابتدائي؟ لماذا لا نمنحه فرصة اختيار العمل أو الدراسة أو السفر أو غيره خلال فترة الصيف؟ لماذا لا نمنح الأقسام الأكاديمية والكليات والجامعات إقرار الجداول الزمنية المناسبة لها، بالذات الكليات المهنية والعلمية التي أربكت أكثر من غيرها بسبب تشعب جداولها بين النظري والعملي والميداني؟ لماذا يمنح هذا الحق لجامعة أو جامعات بذاتها ولا يمنح لجميع الجامعات؟