ناهد الأغا
الشعر ديوان العرب، بهذا النعت منذ قديم الأزل في تصور النقاد، نُعت الشعر ووصف بإيجاز وبلاغة دقيقة، وهو عنوان الأدب، وميدان الفخر والاعتزاز، وموضع الفرح والسرور، ووسيلة التعبير عن الألم والحزن، ووصف لوعة الشوق والاشتياق، ولا أجمل مما وُصِفَ الشعر به من قول الجرجاني: «فيه الحق والصدق والحكمة وفصل الخطاب، وإنه مجنى ثمر العقول والألباب، ومجتمع فرق الآداب، الذي قيد على الناس المعاني الشريفة، وأفادهم الفوائد الجليلة، وترسل بين الماضي والغابر، ينقل مكارم الأخلاق من الوالد إلى الولد، ويؤدي ودائع الشرف من الشاهد إلى الغائب، حتى ترى به آثار الماضيين خالدة في الباقين، وعقول الأولين مردودة في الآخرين، وترى لكل من رام الأدب وابتغى الشرف وطلب محاسن القول والفعل منارا مرفوعا، وعلما منصوبا، وهاديا مرشدا، ومعلما مسددا، وتجد فيه للنائي عن طلب المآثر والزاهد في اكتساب المحامد داعيا ومحرضا، ولاعثا ومحضضا، ومذَكرا ومعرفا، وواعظا ومثقفا، وكم كانت كبرى القبائل تفتخر وتفرح حين يبزغ نجم شاعر فيها، وإذا غدا شاعرا فحلا فتزداد قيمة القبيلة عن غيرها من القبائل».
لقد اعتنى العرب عبر تاريخهم الممتد بالشعر، وشغفوا به طيلة مراحل حياتهم، فهو أغنى مصادر المعرفة، وأغزر مناهل التعليم والتأديب والتأهيل، إلى صورة فاقت كثيرا من الأمم، فلا ينافس الأمة العربية أمة أخرى بالمكانة الرفيعة التي بلغها الشعر العربي كفن ولون أدبي رفيع الشأن.
ومن هذه الأرض، أرض الجزيرة العربية، نُسجت أفخر القصائد وأنفسها في التاريخ الأدبي المجيد للأمة العربية، فكانت المعلقات الخالدة في التاريخ والعقول والنفوس، ولا يُمكن لأي عربي منتم لأمته ومحب لتاريخها المجيد أن ينسى سوق عكاظ، ميدان المبارزة بالشعر الجزل بين فحولة الشعر وشعرائه الأفذاذ، والفخر والاعتزاز والوفاء والحنين، والغزل والنسيب، تسود في أجواء السوق العظيم الخالد في وجدان الأمة العربية.
وما زالت هذه الأرض نابضة بالحياة، مؤمن أبناؤها أن الأطلال الماضية هي عنوان اليوم والغد، وأن جمال الحاضر يكمن بالوقوف على ما كان سيدا بالأمس.
كانت الرؤية الكريمة وقرار مجلس الوزراء بأن يكون «عام الشعر العربي 2023»، تأكيدا كبيرا على أهمية الشعر العربي في الإرث الحضاري والثقافي للأمة العربية، ويعود انطلاقه وبعث ازدهاره كما كان في سالف الأزمان على ذات الأرض، التي عرفته وعرفها يوما، وردده كل من سمعه حينها وبعدها إلى اليوم والغد، فعلى هذه الأرض كان فجر التاريخ، والإرث المجيد، وبها إحياؤه واتقاده على مدار الأزمنة والأيام.
نظرة حكيمة، وفائقة الحكمة والرؤية الناجعة، بضرورة تعميق جذور الهوية الأصيلة في نفوس الجميع، وتعميق أثر الماضي في تعزيز قيمة الحاضر والمستقبل، وكيف أن مسيرة الإنسان والحضارات تتلاقى فيه الأزمنة مع بعضها، ولا ينفصل فيها زمن عن غيره، فمن الماضي نقرأ ملامح المستقبل، وبالوقوف على جمالياته نلمح معالم الغد المشرق، التي ترسمه بألوانها الزاهية رؤية 2030 المباركة، رؤية الإنسان والأرض والأمس واليوم والغد، والتاريخ والإرث، والحضارة والفكر، والتطور والإنجاز ومواكبة روح العصر بكل عزيمة وثبات.