د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
يعمرُ الأوقاتَ ويُجيّرُ لأزمنةِ الوعي الاهتمامُ بالقراءة الناقدة الواعية والتحفيز لارتيادها. حيث القراءة حلة الفكرالفاخرة ومن خلال الوعي بأن الاهتمام المجتمعي بالقراءة له دواعٍ ومحفزات فإن مما يعزز ذلك حضور الثقافة العامة حين يُحتضن النموذج القرائي الجيد داخل المحيط الأُسَري، وصناعة القارئ الذي يقرأ وهو شغوف بتلك الكواشف القرائية المفيدة فيعتبر ذلك من قبيل تطوير ثقافة الأجيال في الأسرة والمجتمع وغالبا ما نسمع أخبارا خجولة عن واقع القراءة في المحيط الأُسَري وبالتالي المحيط المجتمعي والنبض الخافت حول ذلك؛ وتسطيح الواقع دون حلول؛ وذلكم شروع في دفن الثقافة القرائية وخواء دارها؛ فالحضور القرائي اليوم لا بد له من قيمة جديدة؛ حيث لم نر في جيل اليوم من يقرأ كالأسلاف دون أن يملّ، ومن الحقائق التي يحتم الواقع والعصر التوقف عندها أن الوسائط التبادلية والتفاعلية أصبحت تزاحم الأسفار والطروس، فينبغي أن تُرصد الجهود لتحويل الكتاب رقميا وبثه في قنوات العصر للناشئة، ومن خلال البناء الأُسَري المتكامل المدعوم من قنوات المجتمع المحلي يلزم أن تقول الأسرة كلمتها في أهمية القراءة كمحفز أولي للتفكير والنمو المعرفي كما يلزمنا تنمية الشغف القرائي لدى أفراد الأسرة، وتشجيع القراءة الناقدة لتكون ممارسة تلقائية تؤسس لبناء الرأي، وتوقد الذهن، وتكون حاضنة لكل مقومات الفكر الناضج، ونؤكد أن هناك تكاملا بين جودة المنتج القرائي وبين محفزات الفكر المعتدل القويم؛ الذي ينطلق منه بناء الأسرة السليم، ومن ثم بناء المجتمعات بناء وجدانيا تشرق في أروقته الحياة، وتنتشر ثقافة الخُلُق القويم، وإشاعة المحبة، وزرع مساحات خضراء تورق فيها النفوس، وتندفع للبذل والإيثار؛ كما لا ننسى أن تنمية الذائقة اللغوية عند الأجيال مصدره قراءة ابداعية وافرة وأجزم أن الحال اليوم يحتم أن يكون كرسي القراءة برنامجا استراتيجيا في الجامعات جميعها وكل يدلو بدلوه في مصبات النهوض بالقراءة المستوعبة ومن ثَمَّ تتعالق الرؤى وتتعانق الجهود ذات الأهداف الممتدة، ويجب أن يكون لوزارات التعليم أدوار مشهودة في تمتين النصوص القرائية، وأن يرصد التحصيل القرائي فيما يخص المتعلمين كأساس من مقومات النجاح وأسبابه واجتيازه، كما أرى أن لوزارات التعليم أيضا دورا آخر لتنمية الشغف القرائي؛ فالقراءة وإن كانت مكتسبات فردية فهي أيضا من الدعائم الأسرية للنمو الصحيح،فإذا ما صفت مصادر القراءة، ودخلت الأوعية القرائية كل بيت، وأحسن إليها ممن يقود نشاطاتها، فإنها ستكون بإذن الله كفاءة محفزة للفكر الإنساني، وذخيرة إيجابية في مراحل الزمن المختلفة يستفاد منها في مواقف الحياة؛ كما أن القراءة في وقتنا الحاضر مصفوفة توضيح عليا للوعي المجتمعي بقيمة الحياة وعمارة الكون. فنحتاج إلى صناعات ثقيلة للفكر من خلال القراءة لتصبح المكتبات المنزلية رئة يتنفس منها قاطنو المكان يحيطها قدر كبير من الانفتاح على آفاق الأوطان.
فدائماً ما تعلو وتيرة الحديث عن اتقان المتعلمين لمهارات القراءة والكتابة، فكلما ارتفعت منصات الحراك المجتمعي كان تحقيق الاتقان لمهارات القراءة والكتابة من متكآت النجاح الكبرى حيث يلزمنا عدة مداخل منها مدخل الكتابة كأبرز عنصر معزز للفهم القرائي؛ وأرى أن موضوع الضعف القرائي في جملته وتفاصيله من أحاديثنا المكرورة التي احتشدتْ بها الملتقيات والمنتديات وأضابير المكاتب منذ سنوات في تقارير وصفية مسطحة مستندها استبانات سريعة؛ وما زال النتاج متدنيا استنادا لمحصلة نتائج المقاييس الدولية وهي مشكلة عميقة تنمو مع أصحابها؛ فالضعف في الصفوف والمراحل الأعلى لا تنكره العين المجردة، فلعل وزارات التعليم تحتكم للبحث العلمي من خلال استحداث الكراسي البحثية في الجامعات لضمان استمرارية الصعود البحثي بطرح المشكلة لدراسة تتبعية طويلة تبنى على منهجية علمية دقيقة وبيانات تراكمية وتفصيلية دقيقة من محصلة سنوات؛ وحبذا أن يُصطفى معلمو القراءة من مصافي الجامعات كما أرى من الأهمية الاهتمام الأكبر بمعالجة الفجوة بين مقررات تدريس اللغة وأدوات التقويم فالمطروح أمامنا مقررات تبني المهارات في مستواها الحرفي فقط المتمثل في التعرف على المقروء فالأسئلة لا تتجاوز ذلك المستوى، وتغيب إلا لُماما المستويات العليا من التقويم «الاستنتاج والتحليل والنقد»، كما أن محددات التقويم غير واضحة للطالب أولاً والمعلم ثانياً، والأسرة التي هي عضيد للمدرسة أيضا وخاصة في المرحلة الدنيا من المرحلة الابتدائية، وكما نعلم للتقويم معايير يجب معرفتها واتقانها مثل الجوانب المعرفية الملزمة الأخرى؛ والمُتَبع في التخطيط والسياسات التربوية يعلم أن خبراء التعليم القائمين على صناعة معايير المحتوى ومعايير الأداء لمجالات التعلم يضعون المعايير كحزمة ملزمة لجميع من له علاقة من المنتسبين للرابطة التعليمية (الطلاب والمعلمون وصانعو المناهج) فمن الملزم لصانعي المناهج ومنفذي السياسات التعليمية ألا يتجاوزوها كحزمة مرتبطة بكل التفاصيل المعرفية والتنظيمية لعمليات التلقي المعرفي والقراءات المستوعبة..