منصور بن صالح العُمري
أبي وأنا، وولدي وأحفادي، أنت وقد أنعم الله عليك بالبنين والبنات يملؤون حياتك بهجة منذ سمعت صراخ قدوم الأول منهم لينتابك شعور غريب بإحساس الأبوة، شعور لا يمكن وصفه ولا تتسع الأمكنة لاحتوائه، تشعر وكأنه نبض قلبك وتردد أنفاسك وضياء عينيك.
ستدرك ومنذ اللحظة الأولى كم كنت مقصراً في تقدير محبة والديك لك، كيف لا وقد تذوقا ذات الشعور عند قدومك وحملا لك من الأحاسيس ما تعايشه أنت مع مولودك الأول، وتابعت قلباهما قبل أعينهما نموك يوماً بعد يوم وتباشرا بكل جديد في بداياتك، حباك وظهور سنك الأول وخطواتك المتعثرة في محاولة المشي وتنافسهما فيمن تنطق منادياً له أولاً بابا أو ماما ثم سرورهما بقدوم أخ لك أو أخت وحرصهما على أن لا يلقي ذلك القادم عليك أسمال الغيرة وأن لا تشعر بنقص اهتمامهما بك، ثم تتوالى السنين لتكون شغلهما الشاغل في حسن تربيتك وتقويم سلوكك وبناء قدراتك وجودة تعليمك، ويبذلان لتحقيق ذلك كل غالٍ ونفيس لا تكل جسماهما من السعي في إسعادك ولا تمل من كثرة مراداتك، يحزنهما ألمك حتى تكاد أن تشعر أنهما يعانيان أكثر منك مما تجد ويحاذران عنك أوفى مما يدفعا عن ذاتيهما، وكنت تعتب عليهما إن منعا عنك ما يؤذيك في جسدك أو أخلاقك قبل أن تدرك لاحقاً أن ذلك لمحبتهما لك وحرصهما عليك وأنت الآن تأخذ دورهما مع أولادك غير أنك تراعي ظروف الحياة ومستجداتها وتستطيع أن تميز بين ما يناسب تأكيده وما يحسن استبداله.
ستظل جذوة محبتك وقادة كما كانت محبتهما لك غير أنك ستختار ما ترى أن عينك تقر به وقلبك يسكن إليه وقلب الأب دليله متى استهدى بشرع ثابت وعُرف أصيل، والآن وقد وهبك الله أحفاداً يزداد بهم سرورك ويتصل بهم حبلك فلا يخفى عليك أن والديهم يحملان ذات المشاعر التي حملتها من قبل أنت ووالديك وكل والدين، قد تبدو لك بعض التعاملات منهم لأحفادك بحاجة إلى إعادة نظر لا مانع من إبداء الرأي بعموم شكله لا بخصوص حالته وإسداء النصح دون إلزام به فمن حقهما أن يعيشا دورهما كأبوين، وتذكر أنك لم تسر في تربيتك لأبنائك مسار والديك حذو الخطوة بالخطوة والأمر أكثر توكيداً في تعاملك مع أطفال إخوتك وأقاربك وجيرانك، وهكذا تعمر الحياة بأجيالها المتلاحقة أصالة تحفظ لتبقى وتجديد ينتقى لتزدان به الحياة وتكتمل أدواتها.