سهوب بغدادي
البنكام أو ما يعرف بالساعة الرملية هي أداة لقياس الوقت تتكوّن من حُجرتين زجاجيتين متصلتين ببعضهما البعض بفتحة ضيقة، وتكون الحجرة العلوية مليئة بالرمل الناعم الذي يتسرب شيئًا فشيئًا إلى الحجرة السفلية، وبعد انتهاء الرمل من الحجرة العلوية يتم قلب الساعة وتعاد الكرة، حيث تعتبر الساعة كمؤقت بزمن ومدة معروفتين لمستخدمها، فلن تزيد حبات الرمل أو تنقص مهما طال الأمد وتبدلت الأحوال والخطوب.
وفي التفكّر في حال الساعة الرملية نجد أن عمر الإنسان في هذه الحياة مماثلٌ بشكل كبير لتلك الأداة، فحبات الرمل تكافئ سنوات عمر الإنسان، كل حبة بسنة سواء أكانت حلوة أم مرة، أو كلاهما، لا يهم فحبة الرمل ستنقضي وتنزل لتستقر في قعر الحجرة في التوقيت المقرر لها، ومع نزول آخر حبة رمل من الأعلى واستقرارها في موضعها ستودع حياتك، سوى أن الفارق الوحيد بين الساعة الرملية وسنين عمرك، هو أنه بمقدورك أن تطلع على المتبقي من الرمل في الساعة وتتمعن في كميته ووفرته لتتحايل وتستدرك ما يمكن استدراكه، أما حياتك فلا علم لك ولا اطلاع بما تبقى من القادم، وعلمك محدود ويتلخص في معرفتك ما انقضى منها فقط.
أسأل الله أن يكون ما انقضى منها في طاعة الرحمن وسعادة وبر، وأن يكون القادم خيرًا مما فات وأجمل وأيسر، بلا شك، إن التشبيه جميل ولكن صادم لو تفكرنا فيه قليلًا، فليست كل الساعات الرملية تدل على زمن موحد، فمنها الذي ينتهي على نحو خاطف ومنها الممل الذي وددت لو اقتحمت حجراتها الزجاجية وهشمتها لتسرّع انقضاؤها، بل إن الفراغ الكائن في الحجرتين يماثل الفراغات التي نعايشها وتصارعها أرواحنا في خضم المدلهمات، ولقد استطردت بالتفكر والتفكير في حال الساعة الرملية وحياتي بعد لقاء ثقافي جمعني بسعادة الدكتور عبدالله الكعيد -حفظه الله- عندما تحدث عن أهمية الالتزام بالوقت والمواعيد وقضاء الأيام فيما يفيد الشخص ويعود عليه بالنفع، فكانت الساعة رمزًا حاضرًا خلال حديثه، أرى أن كل شخص يجب أن يتأمل في حال ساعته حجرتاها السفلية والعلوية، على الرغم من حجب الله عنا ما تحويه لنا الأيام المستقبلية وهذا من رحمة الله بنا ورأفته ولطفه الخفي، الساعة كم؟