أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الدعاء من ذكر الله سبحانه وتعالى، وذكر الله سبحانه يكون بحمد الله الذي هو ثناءٌ عليه بصفات الكمال، وشكر له على نعمه.. ويدخل في الحمد تسبيح الله، وهو تنـزيهه اعتقاداً وقولاً عن كل نقص.. أما هو سبحانه فمقدس غني عن تقديس غيره، وإنما جعل الله تسبيح الخلق وحمدهم من أفضل العبادات؛ لينالوا ثواب ذلك: من أجر مضاعف، وحطِّ سيئات.. ويدخل في الحمد التهليل والتكبير؛ لأن ذينك اعتراف بكماله؛ فذلك حمد له.. كما أنهما تسبيح لله؛ لأن الحمد يعني نفي النقص ضمناً كالتكبير، أو نصاً كالتهليل؛ لأن نفي مستحق للعبادة غير الله تسبيحٌ لله عن الند والشريك.
وذكر الله وإن لم يتضمن أي صيغة دعاءٍ هو دعاءٌ في ذاته بالنص والاستنباط.. أما النص فوارد فيمن شغله ذكر الله عن مسألته، وأما الاستنباط فآت من ذكر الله بأسماءٍ وصفات بذكرها يكون العبد في بركاتِ مدلولها إنعاماً واستعاذةً واتكالاً كالرحمن الرحيم الحي القيوم القادر الجبار.. إلخ، وآتٍ بمعونة نصوص أخرى كذكر الله الذي يُستشفى به من داءٍ أو أدواءٍ أو يُتحصن به من الشيطان والهوى.. إلخ؛ فورود النص بتوظيف الذكر لهذا هو دعاءٌ في النتيجة.. ومثله شكر الله فقد ورد النص بزيادة الشاكر؛ فالشكر متضمن لطلب المزيد.. ومن ذكر الله ما هو دعاءٌ نصاً بمدلول الصيغة كصيغة: اللهم، ويا حي ياقيوم.. ويدخل في ذلك الاستعاذة والاستغفار؛ لأنه طلب للإقالة من الذنب.. ويُشفع به إعلان التوبة دليلاً على صدق العبودية في الاستغفار.. ويدخل في ذلك السلام ورده فهما دعاءٌ، وكذلك الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عبدالرحمن: وذكر الله بأنواعه منه ما هو مطلق، ومعنى إطلاقه أنه غير مقيد بوقت ولا حال ولامكان.. ومنه الذكر غير المطلق، وهو الموظف في أوقات وأحوال.. ومن الذكر غير المطلق ما هو دائم متكرر وهو الدعاءُ الموظف في أوقات متكررة من الليل والنهار، وفي أحوال متكررة من يقظة ونوم وصلوات ودخول وخروج وجماع.. إلى آخر ما هو دائر في العادة من الحياة اليومية.. ومنه ما يكون تكرره كل شهر كالدعاءِ عند رؤية الهلال، ومنه ما يكون تكرره كل عام كالذكر في ليلة القدر ويوم عرفة والأيام المعدودات من شهر الحج.. ومنه أحوال موسمية كالدعاءِ عند سماع الرعد.. ومنه حالات متكررة عند فرد دون آخر كالذكر الموظف عند سماع الديك ونهيق الحمار.. ومن ذكر الله المقيد ما وُظِّف للنوازل سواءً أكان عاماً كالدعاء على الكافر الغاشم في القنوت، أم خاصاً بالفرد أو من يتعلق به من أهل وولد كالدعاء للولد الفاسق، والدعاء الموظَّف لداءٍ أو أدواءٍ نازلة.
قال أبو عبدالرحمن: ذكر الله بكل أنواعه وقاية وعلاج، ويكون وقاية في الذكر المطلق، وفي ذكر مقيد بأوقات وبأحوال كبعض الأدعية في الصلوات، ومنه علاجي وهو ما كان للنوازل.. وذكر الله يكون علاجاً ووقاية.. يكون من الفرد لنفسه تعبداً محضاً، ودعاءً واستعاذة في أمور الدنيا والآخرة، ويكون من الفرد لأقاربه وأصدقائه وإخوانه المسلمين ولولاة أمره؛ لأن نفع الدعاء له إذا استجيب عام المصلحة.
قال أبو عبدالرحمن : على المرءِ أن يُقسِّم دعاءه لكل هذه الأمور، وإذا كان ذكر الله دعاءً فمن آدابه التقديم بذكر الله حمداً وتسبيحاً؛ فإن المرء إذا طلب حاجته من مخلوق - ولله المثل الأعلى - قدَّم لحاجته بالثناء الحسن والتحية.
وقد كثرت المصنفات في ذكر الله مطولة ومختصرة، وفي هذه الكثرة تكرار وتراكم، وعامة الناس غير قادرين على استيعاب الأدعية لكثرتها؛ فهم بحاجة إلى اختيار عالم محقِّق يقصرهم على الصحيح الجامع في مختصراته.. فإن أراد نفع الخاصة ومعاونتهم بتأليفٍ مطوَّل فلا بد أن يكون عمله متميزاً عن عمل من سبقه مكملاً له أو مستدركاً أو مصححاً أو معارضاً مع تفسير الغامض، ورفع إشكال المشكل، ورد أخبار الآحاد والحالات الاستثنائية إلى الأصول والنصوص الصحيحة العامة أو ذات الثبات الأكثر.. ويُقَدِّم بالتحقيق الفقهي الأصولي لآداب الدعاء وما يُفضي إلى قبوله، ويثنِّي بالمختار الصحيح من الذكر المطلق، ثم يوالي هذا الاختيار مقدماً ما تعم به الحاجة كالأدعية الموظفة لأوقات معينة في اليوم والليلة، أو أحوال متكررة في اليوم والليلة كالنوم واليقظة، ثم ذكر الله في النوازل الفردية.. ويترك الذكر الموظف في العبادات كالصلاة والصوم والحج في آخر الأذكار الموظفة؛ لأن ذلك مما تعم به البلوى، ومن أوائل التعليم، ومُراعىً في كتب الفقه، وإلى لقاء قادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
وكتبه لكم: (محمِّد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالله العقيل) - عفا الله عَنِّي، و عنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -