سارا القرني
تعاني دول العالم من موجات ارتفاع درجات الحرارة بشكل جنوني ومتواصل.. طالت أوروبا وأمريكا ولم يسلم منها أحد تقريباً، وتواصل منظمة الأرصاد العالمية تحذيراتها بأنّ العالم مقبل على أيام ساخنة لم يشهدها من قبل، وستستمر خلال الفترة القادمة.
العالم كلهُ يعاني وسط احتباس حراريّ غير مسبوق، ونشاط شمسي لم يحدث منذ 20 سنة على الأقل وفق ما قاله العلماء والمختصون، ولا زالت دول العالم لا تحرك ساكناً تجاه خطورة الأمر إلا بالبيانات والنداءات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
إلا إنّ الشرق الأوسط يشهد حالة من الهدوء تقريباً تجاه ارتفاع درجة الحرارة.. ولا أقصد الاعتياد، فاعتياد حرارة الصيف في بقعةٍ من العالم تُعد من أكثر المناطق حرارة طيلة العام هو أمر طبيعي لكنه لم يعُد يُطاق، لكن أقصد هدوء التعامل معها وبخطوات ثابتة وخطة مُحكمة طويلة الأمد حتى 2060م.
المملكة تصدّرت بجدارة للانبعاثات الكربونية المسببة للاحتباس الحراري، ووضعت لهذا ميزانية طائلة بين تسخير الجهود لتوليد الطاقة النظيفة، مزامنة مع انطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي تهدف إلى زراعة 50 مليار شجرة.. وهي أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم، وكذلك وضع مبادرات كبيرة للوصول إلى الحياد الصفري.
كلّ هذه المبادرات والتحذيرات.. يقف أمامها المواطن في حيرة من أمره، إذ أنّ الدوام في مكاتب مهيأة ومكيفة ليس كلّ شيء، فالطريق من وإلى العمل تحت لهيب الصيف الساخن مرهق، وكذلك زحمة الطرق والانتظار فيها.. والتي تحول السيارة من آلة تنقل إلى «مايكروويف» يطبخ، وكان الله في عون محدودي الدخل الذين يملكون مركبات قديمة لا تساعدهم على مواجهة شدة الشمس وقساوة الطقس.
لا زلنا في المربع الأول.. وهو فكرة الحضور إلى الدوام يومياً في حين يمكن أن تنجز الكثير من الأعمال عن بُعد، ولا زالت جلّ الشركات والقطاعات تعمل بأنظمة الحضور القديمة، في حين لم تستغل طفرة التحول الرقمي إلا في تحسين خدماتهم المقدمة للجمهور.
ما العائق نحو تحديد عدد من الوظائف التي تنفذ عن بُعد؟ وما العائق في أن يُترك لمدراء الأقسام أن يداولوا الدوام الحضوري بين الموظفين وينجز البقية مهامهم عن بُعد لتخفيف الازدحام المروري واجتياز أزمة الكوكب الساخن بنجاح؟
مفهوم الأغلبية بأنّ الطقس لن يشكل عائقاً في الحضور إلا إذا غرقت الشوارع والمنازل لا سمح الله.. مفهوم ضيق وغير منطقي، فالحرارة التي تبلغ 45 درجة مئوية في الظلّ وبمعايير معتبرة لدى مركز الأرصاد.. تكون 50 أو أكثر في الأماكن التي لا ظلّ لها كالشوارع والسيارات التي أوقفها أصحابها طيلة وقت الدوام.
الرجال لا يطيقون تحمّل الشماغ على رؤوسهم في المسافة بين المنزل والعمل أو العكس، فماذا عن النساء؟ أظنّ أنّ الحلّ يكمن في ساعات الدوام المرنة عن بُعد، فقط في الصيف اللاهب.
في كلّ صيف يصدر قرار من وزارة الموارد البشرية بحظر العمل تحت أشعة الشمس من الساعة 12 ظهراً حتى 3 مساءً ولمدة 3 أشهر، وأنا أقترح على الوزارة دراسة العمل من 7 صباحاً حتى الساعة 1 ظهراً لجميع القطاعات في فترة الصيف فقط.. أو اعتماد الدوام عن بُعد بطريقة مبتكرة تضمن الاستفادة القصوى من الخدمات دون تغيير، أما الشركات الأهلية فلا أملك إلا أن أقول لهم «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».