م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1- الانطباع هو ما نتركه من أثر في ذهن المتلقي، هذا لا يعني أن الشخص ذاته هو المصدر الوحيد لذلك الأثر، بل إن الآخرين أيضاً يمكن أن يصنعوا انطباعاً عنك في ذهن الآخرين من خلال حديثهم أو تصرفاتهم معك.. وهذا يؤثر على الانطباع المكتسب عنك مهما كان نوع الانطباع الذي أرسلته أنت.
2- الانطباع لا يعني الحقيقة بل يعني الرسالة التي تلقاها الآخر عن شخص أو حدث أو مكان ما، والتي أعطت صورة تحتمل الصحة كما تحتمل الخطأ.. فقد يكون الشخص ذاته قد أرسل الرسالة الخطأ عن نفسه، وقد يكون شخصاً آخر قد أرسل رسالة خاطئة عنه.. وقد يكون المتلقي هو من أوّل الرسالة بشكل خاطئ، نتيجة لسماته الشخصية أو حالته النفسية التي أثرت على التأويل.. أو أن خلفيته عن ذلك الشخص أو الحدث قد جهزته لذلك التأويل، أو أي مبرر آخر.. بمعنى أن الانطباع الذي يكتسبه الآخرون عنا أو عن أي شيء آخر هو مجرد وصف لما يدور في أذهانهم.. وهم في هذه الحالة لا يكشفون عن شخصيتنا بل يكشفون عن شخصياتهم.. وطريقة تفكيرهم.
3- على الرغم من أننا نعي حقيقة أن الانطباعات التي لدينا قد لا تكون صحيحة، إلا أنها هي التي تقود علاقاتنا.. كما أننا لا نتوانى عن إبداء انطباعاتنا عن أي شيء، وأحياناً نقف دون صحة تلك الانطباعات وندافع عنها باستماتة، وكأن ما لدينا معلومة يقينية وليست مجرد انطباع اكتسبناه من الآخرين أو أوَّلناه بشكل خاطئ.. وهنا تكمن المشكلة.
4- لذلك يسود في الناس التفكير الانطباعي، وهو إصدار الأحكام المبنية على انطباع قائم، بمعنى أن يكون لدى الإنسان انطباع عن شخص أو حدث أو شيء ما فيبدأ ذهنه في التقاط كل ما يؤكد ذلك الانطباع المسبق.. وينفي كل تفكير آخر ربما ينقض ذلك الانطباع، مما يؤثر على تفكيره فيصبح منحازاً غير محايد، وهو ما يدفعه إلى الحكم على كل شيء أمامه وفق تفكيره المنحاز، فيقضي عمره يعيش في الخطأ وهو يعتقد أن أحكامه كلها صواب.
5- كلنا نعلم أنه لا يصح الحكم على كتاب من خلال النظر إلى عنوانه أو غلافه، إلا أننا لا نكف عن القيام بذلك.. كما أننا ننشأ وقد زُرِع فينا فكرة أنه من الفراسة قراءة ما بين السطور.. وهذه فكرة خاطئة جداً لأنها قراءة للنوايا، والمشكلة حينما نصر على أن حكمنا الانطباعي صحيح مهما كنا مخطئين، وكأن اعترافنا بخطأ حكمنا هو اعتراف بقصور فهمنا وضعف فراستنا.
6- يكتسب الإنسان انطباعه الأول عادة إما بالإيحاء الذي تلقاه من الآخرين، أو بالإيحاء الذي أخذه شخصياً من الشخص ذاته، أو الموقف الذي واجهه فكسب ذلك الانطباع عنه.. فملامح الوجه وتعبيراته، واللهجة، والملابس، وتعبيرات الوجه، والحركة، هذه هي الرسائل الأولى والمباشرة التي يتلقاها الآخرون عنا في أول لقائهم بنا.. فإذا التقينا بشخص لديه تحيز مناطقي أو مذهبي مثلاً فسوف يَصْدُر في حكمه من خلال الانطباع الذي تربى عليه.. هذا الانطباع بدوره سوف يتحكم في توجيه تحيزاته إما في صالحنا أو ضدنا.. فالتحيز السلبي مثلاً ينشأ من الخوف أو الجهل، وهو هنا سوف يغفل عن كل الصفات التي نملكها وقد تخفف من تحيزاته تجاهنا.. وهذا الشخص ينطلق في حقيقة الأمر من أن الإنسان في أصله كائن منحاز.
7- تأثير الانطباع على أحكامنا له نتائج مصيرية على حياتنا، فهو الذي يحدد شبكة علاقاتنا، ويتحكم في قراراتنا، ويوجه سرعة حركتنا، ويرسم أسلوب اتصالاتنا، ويؤطر سلوكياتنا، ويلقي بظله على شخصياتنا.. فحينما نلتقي بشخص لدينا انطباع إيجابي عنه سوف نرى ذلك الشخص مطوقاً بهالات البهاء والجمال والأخلاق.. إلخ.. أما إذا كان انطباعنا سلبياً، فسوف نراه قبيحاً شريراً جلفاً غير مبالٍ، وسوف نركز في مراقبتنا له على كل ما يؤكد ذلك الانطباع عنه.
8- السؤال الآن: كيف ننقل علاقاتنا من علاقات قائمة على الانطباعات إلى علاقات قائمة على المعلومات والحقائق على أرض الواقع؟.