د.عبدالعزيز الجار الله
يعتبر معرض الهجرة على خطى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، الذي يقام حالياً في محطته الثانية بالمتحف الوطني بالرياض، وزارة الثقافة، من 20 يوليو إلى 30 ديسمبر -يعتبر- خطوةً أخرى لنشر ثقافة السيرة النبوية التي تحتاج إلى المزيد من العروض والمشاركات في متاحف دائمة للزوار والمهتمين والجمهور، ومتاحف تعليمية تقام لهذا الخصوص في مكة المكرمة والمدينة المنورة والعاصمة الرياض، لكن يفترض أن يكون مركزه الأساس بالمدينة المنورة، ليكون جزءًا من هوية المدينة التاريخية والثقافية، كون المدينة المنورة شهدت الجانب الحضاري للخلافة الإسلامية، باعتبارها العاصمة الأولى للخلافة الراشدة التي حكمت العالم القديم زمن الخلفاء الراشدين حتى عام 40 للهجرة 661 الميلادي، فقد بلغت الخلافة الراشدة أكبر اتساعها خلال عهد الخليفة عثمان بن عفَان؛ شملت جميع شبه الجزيرة العربية والشام والقوقاز، ومصر وتونس وأجزاء من الشمال العربي الأفريقي، وإيران وآسيا الوسطى، احتوت أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية كافة، وحوالي ثلثي أراضي الإمبراطورية البيزنطية، تشكل 40 في المائة من مساحة العالم الإسلامي الحالي. كما أن الهجرة تعتبر الإرهاصات الأولي لانتشار الدعوة وقيام الدولة الإسلامية، وكذلك تجسد شخصية وهوية الثقافة الإسلامية التي من خلالها تم التدوين الحضاري لسجل الدولة الجديدة.
معرض الهجرة يأتي نتيجة للتعاون بين مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء» والمتحف الوطني، وعدد من المؤسسات الثقافية المحلية والعالمية. وبعد محطة الرياض ينتقل إلى المدينة المنورة، ثم إلى مختلف دول العالم، ولا يقتصر على عدد أيام مسيرة الهجرة (8) أيام، بل يشتمل المعرض على سيرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويسعى إلى تقديم تجربة ثقافية، تتناول ميلاد أمة، كادت أن تحكم العالم في فترة تاريخية، ونشرت الدين الإسلامي في بقاع بعيدة، ليكون عام 622م البعثة، ويوم الهجرة رابط تاريخي للدول العربية والإسلامية، وقيام دولة كانت تحاصرها ثلاث إمبراطوريات؛ فارس في الشرق، وبيزنطة في الشمال والغرب، والحبشة في الجنوب والغرب.
ويغطي رحلة الركب النبوي الشريف عبر 14 محطة، وضحتها خرائط، وأفلام، وشواهد أثرية، ومؤثرات صوتية، وإيحاءات بالصوت والصورة، تحكي للمشاهد رحلة الهجرة التي بدأت من هضاب مكة، ثم السير غرباً في سهل تهامة حتى حدود شواطئ البحر الأحمر، ثم الانتقال إلى الشمال الشرقي، والدخول في ممرات وتركيبات حرة رهاط -حمم بركانية- التكوين الجيولوجي والجيمورفولوجي بطول (400) كيلومتر، بحيث يتداخل مسار رحلة النبي الكريم مع طريق القوافل، وهو المسار التي تسلكه قوافل الحج والتجارة والربط بين مكة والمدينة.
فالهجرة من مكة إلى واحة يثرب، التي أصبحت فيما بعد مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- المدينة المنورة (8) أيام لمسافة (400) كيلومتر مدة الرحلة، سرد المعرض حكاية الهجرة باستخدام الفنون البصرية والتصوير الفوتوغرافي، من خلال الخرائط والرسوم التوضيحية، البدء من غار ثور في مكة إلى قباء في المدينة، وكان المسار بموازاة طريق القوافل الذي سلكه العديد من الأنبياء والرسل إلى مكة، والذي يعرف بطريق الأنبياء وطريق الحج والتجارة، أطلق عليه طريق الحج الشامي والمصري، وسلكته قوافل الشمال العربي الأفريقي وشرقي أفريقيا، إما عبر طريق الهجرة، أو طريق الساحل، أو طريق شرقي الحجاز، وهذه الطرق سلكها نبي ورسول الله إبراهيم الخليل -عليه السلام- حوالي 1800 سنة قبل الميلاد، وسلكه الأنبياء والرسل من بعده.
المعرض اعتمد بشكل كبير على الأعمال والبحوث التي أجراها الباحثَان عاتق البلادي -رحمه الله-، والدكتور عبدالله القاضي.