عبدالوهاب الفايز
الآن في المجالس واللقاءات الخاصة يُطرح هذا التساؤل: لماذا هذا الاندفاع الغربي - بقيادة أمريكية حازمة - لدعم الشذوذ الجنسي عالميا، والدفاع عن هذه الحركة الجديدة؟
في كل عام تحتفل سفارات أمريكا حول العالم في شهر يونيو بما يسمونه (شهر الفخر للمثلية)، وتروج الخارجية الأمريكية لمفهوم (إن كل البشر لهم حق المعاملة باحترام وكرامة والعيش دون خوف بغض النظر عمن هم أو من يحبون)، وكأن هذا الأمر أصبح جزءًا أصيلًا في السياسة الخارجية الأمريكية.
أيضًا الشركات الأمريكية الكبرى هي أكبر داعم للشذوذ الجنسي بالذات حبيبة الأطفال: شركة ديزني!
طبعًا لا يمكن الإجابة على هذا السؤال الوجودي الكبير، فالموضوع له أبعاده المتعددة، وهنا يهمنا الشق السياسي، أي لماذا فرض حركة الشذوذ الجنسي عالميا من قبل أمريكا وحلفائها الغربيين؟
هناك من يقول إن أمريكا، جمهورية بنيت على نموذج الإمبراطورية الرومانيه، تحتاج العدو الدائم.
وهناك من يعزون ذلك إلى حاجة النخبة أو المؤسسة الحاكمة الأمريكية إلى وجود قضية ترتبط بالإنسان والسلام والديموقراطية بحيث يتم العمل عليها وطرحها كورقة مساومة أو تهديد في إدارة المصالح العليا لأمريكا.
وبما أن حركة الشذوذ كبرت وأصبح لها رموزها ومؤسساتها الفكرية والثقافة والإعلامية التي تدافع عنها وتروج لها داخل أمريكا وخارجها، فهذه إذن تُطرح لتكون (الأيديولوجية الجديدة الكونية) البديلة إذ تأكد فشل نموذج الرأسمالية المحدثة (رأسمالية الاستهلاك المفرط)، وأيضًا فشل الديمقراطية الليبرالية الغربية، أي لن تكون هناك نهاية للتاريخ. الآن الرأسمالية والديموقراطية لا يمكن الدفاع عنهما، فحرب أوكرانيا كشفت ازدواجية المعايير الغربية.. والرأسمالية المتوحشة تدمر الأرض وتنشر الفقر في العالم.
والسؤال المهم: هل فعلا تحولت حركة الشذوذ إلى أيديولوجية عالمية؟
أثناء البحث في هذا الموضوع وجدت الإجابة عن هذا السؤال في محاضرة قيمة بعنوان «الإسلام في مواجهة المثلية»، للدكتور كارل شريف الطوبجي. يرى أن هذه المثلية استمدت قوتها عندما تحولت إلى هوية. يقول: (تحول المثلية لمسألة هوية يحمل القضية إلى الساحة السياسية، لأن المثلية أصبحت ما نحن عليه وليس ما نفعله في سلوكنا الجنسي، وبالتالي أصبحت أمرًا سياسيًا حيث السياسة هي القوانين التي تحدد ما هو شرعي وما ليس كذلك. وقد تحولت المثلية تدريجيًا إلى أيديولوجية، ثم تطور بها الحال لتصير بمثابة «دين جديد»، لها عقيدة خاصة ولها ممارسات خاصة، ولها محرمات لا يسمح باقترافها!).
ويعيد الدكتور الطوبجي جذور (الثورة الجنسية إلى عصر النهضة في القرن 17 وإلى الثورة الصناعية في القرن 18، ثم مع ظهور الحداثة وصعود مبادئ المادية والفردية، والنظرة للعالم على أنه آلة أو مادة مثل الساعة الصماء. وانقطاع الصلة أو العلاقة مع الله). يقول: (قبل هذا الوقت كان يتم النظر للأشياء على أنها خلقت لهدف، وكان يتم اعتبار إرادة الله، حتى إنه كان لا يمكن قبول الفرد في الجامعة إذا كان ملحدًا، حيث كان هذا يعد أمرًا شيطانيًا وغير أخلاقي. ولكن مع نهاية القرن 19 جاء نيتشه ليعلن ببساطة «موت الإله»، فانقلب كل شيء. ومع صعود المادية فقد كل شيء المعنى والهدف. ثم جاءت الليبرالية لتضع الحرية الفردية كأولوية. وهكذا صعد الإنسان الفرد إلى القمة، وأصبح هو المتحكم، صاحب السيادة على نفسه وعلى العالم).
ويرى أن هذه الايدلوجية توسعت إلى (ان بات الخيار الأوحد الآن بالنسبة للكثيرين أن يعيشوا في عالم بلا معنى، مفتقدين الوجهة والهدف، لأن البديل أن يؤمنوا بالخالق، مما يعني أن يكون هناك معنى وغرض للأشياء «وهذا ما يرفض الكثيرون الإذعان له». فإذا كان الأمر كذلك فإن جسد الذكر أو الأنثى لن يحمل أي معنى بعد الآن، فالشخص نفسه هو الذي يحدد المعنى والهدف الذي يريده).
وبدءًا من الثلاثينيات - كما يقول الطوبجي - كان الفلاسفة مثل (ماركيوز وفليهلم رياتيش يدفعان نحو الحرية الجنسية، هؤلاء كانوا ضد فكرة الأسرة بشدة، وأرادوا تدميرها، ولم يكن الأمر مجرد رغبة في تحصيل المزيد من المتعة، ولكن لتحقيق المزيد من الحرية الفردية. ثم جاءت «النسوية» ممثلة في سيمون دي بوفوار، لتدفع بنفس الاتجاه، في الخمسينيات، كما دعا فوكو كذلك للحرية الجنسية في فرنسا. هؤلاء المبشرون بالنسبة للغرب هم بمثابة الأنبياء، ولا يمكننا أن نغفل أنهم جميعا ملحدون، بل متطرفو الإلحاد. فوكو كان منحلا جدا على المستوى الشخصي، ومات نتيجة الإيدز في أحد حمامات سان فرانسيسكو).
ويشير في محاضرته إلى تطور مهم حدث لهذه الحركة. يقول: (في تطور مهم، ظهر في أواخر الثمانينيات (1989) كتاب «after the ball». والذي كان همه الأساسي الإجابة عن سؤال «كيف ستتغلب أمريكا على كراهيتها للمثلية،» وقد وضع مؤلفو الكتاب خطة محكمة أو «مانفيستو» لجعل أمريكا والعالم الغربي يتخطى رفضه للمثلية ويقبل المثليون، وقد تم تنفيذ هذه الخطة فعلا بشكل مذهل).
ويذكر الدكتور الطوبجي أن الكتاب تناول عمليات تحويل الجنس والترويج لقبولها (عبر حملات إعلانية مخططة، مستندة إلى علم النفس، يتم إغراق الإعلام بها. أمام هذه الحقائق لا يمكننا اعتبار الحملة الشعواء التي نشهدها الآن للمثلية أمرا طبيعيا، أو أن هؤلاء مجرد أناس يدافعون عن حقهم في الاختلاف. علينا أن ندرك أن وعينا بالأمر وحساسيتنا تجاهه قد تم توجيهها وإعادة تشكيلها بالكامل بشكل متعمد من قبل متخصصين في علم النفس والإعلان).
وما يخلص إليه في محاضرته هو أن المثلية هي (بمثابة مشروع استعماري، فهي تمثل نوعا جديدا من الاستعمار الفكري غير القابل للتفاوض، فعلى العالم كله أن يخضع له، وفقا للعقيدة الاستعمارية التي تذهب إلى أن «الغرب هو الأفضل أو أن الغرب يعلم الأفضل»).
وبدوره - كما نفعل نحن - يطرح السؤال الكبير: ماذا نفعل كمجتمع للتعامل مع هذا الأمر بشكل صحيح؟ يرى أننا (نحتاج أن نبني بقوة وثقة «منظورا إسلاميا» مختلفا عن المنظور الغربي. ونركز على المبادئ والمعاني، والحكمة من وراء التشريعات التي وضعها لنا الخالق - عز وجل - في هذا النطاق).
مَن الأفضل أن يتولى قيادة هذا المنظور الإسلامي؟ إنه (القطاع الأهلي الخير)، وهذا ما سوف نتناوله الأسبوع القادم، حتى نستعد لمساندة الحكومات في الدفاع عن شعوبها من مخاطر هذه الأيديولوجية الجنسية.