عطية محمد عطية عقيلان
بدأ موسم خراف التمر، وتذكرت هذا المثل المعبر، عند شكوى الناس مما يجدونه من جحود ونكران من زملاء وأقارب، وعند حديثهم تجد أن المشكلة أحياناً تكون منهم، لأنهم رفعوا من سقف توقعاتهم، أكثر مما ينبغي، بل تكتشف، بأن تجاربهم السابقة مع هؤلاء الأشخاص، تتناسب مع جحودهم ونكرانهم وقلة مروءتهم، كما حدث مع صاحب المثل فلا تتوقع ممن يمص عجم التمر، أن يقدم لك التمر عند طلبه، فمن باب أولى لن يغير سلوكه معك، فهذه طبيعته، وإن استطاع لمصلحة أو حاجة في السابق بإخفاء عيوبه ولبس وجه الفضيلة لتغطية سوء سلوكه، ولكن كما يقال «حبل الكذب قصير»، ولا يقصد بالقصير المدة، فقد تطول لسنين عديدة وقد لا ينكشف أمره، لأنها لم تمر أو تتعرض للحظة اختبار، لهذا الحبل ومتانته، ولكن عند الخلاف ستظهر الحقيقة بأنه ضعيف وواهن. طبعاً أكثر صفة تجدها في من يجيد التمثيل وحبله طويل في خداع الناس، هي حرصه الدائم بالتحلي بالقيم والأخلاق والورع، مع قدرته على الهدوء والطيبة، ويجيد حبك وتكرار القصص والأحداث الكاذبة وكأنها حقيقة، وادعاء تعرضه للمظلومية من زملائه وأقاربه لأنه متسامح ومتهاون في حقه، ويتصف بالمسكنة الظاهرية، والتي تتحول عند انكشافها والاختلاف معه، إلى تعريته وظهوره على حقيقته، ويتحول الهدوء إلى غضب والطيبة إلى قلة مروءة والمسكنة إلى كذب وجحود وتبلي، ويظهر بوضح أنه يستخدم «الخداع» ببراعة ومهارة. وإيهام الناس بغير ما يرون ظاهرياً منك، وقد لا يؤذي أن يكون هذا الخداع أو الورع المزيف، لكسب مكانة وإخفاء عيوب وسترها، ولكن عندما أستخدمها وسيلة لأكل حقوق وأموال ومستحقات الآخرين خاصة الأقارب، يتحول إلى «خداع ونصب واحتيال»، لذا في هذا الجانب يقول الأديب الكبير نجيب محفوظ «ما أفظع الخداع، إنه أنكر من القتل»، علماً أن التغيير من صفات الإنسان، وقد يكون التغير بسبب الأحوال والظروف والمصالح، وليس بالضرورة أن يكون على حساب ظلم أحد أو هضم حقه أو نكران معروف، يقول جورج برنادشوا «الطيبون لا تتغير صفاتهم، حتى ولو تغيرت أحوالهم».
وهناك فرق بين التغيير والكذب، لأنه من الصفات السيئة التي يمكن أن تطلق على أحد، لأنها من الشواهد الرئيسية للمنافق، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان))؛ متفق عليه. ويقول الإمام علي ابن أبي طالب «رضي الله عنه» «بالكذب يتزين، أهل النفاق»، وكما يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه «المنحطون، في حاجة إلى الكذب إنه أحد شروط بقائهم».
خاتمة: إنه درس لنا أن نحرص على عدم ظلم أحد أو استغلال ثقة الآخرين، لأن عواقب ذلك وخيمة في الدنيا والآخرة، يقول المثل «من عاش بالمكر، مات بالفقر»، وهي تذكير بالآية الكريمة في سورة فاطر (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)، صدق الله العظيم.