عبده الأسمري
لا حديث يعلو منذ أيام على قضية الطفلة اللبنانية لين طالب التي ودعت الحياة بوجه شاحب وجريمة استوطنت الأنفس واستعمرت الأعماق بعد تعرضها لحوادث اعتداء جنسي وجسدي متكرر، حيث لفظت أنفاسها الأخيرة بعد خروجها من المستشفى الذي زارته قبل رحيلها متأثرة بأعراض أنهكت جسدها «الغض».
هذه الجريمة تجلت في أفق «العلن» وفق حكمة ربانية للكشف عن «تداعيات» قصة أليمة وحادثة تحولت إلى «جرح» غائر في الجسد العربي بأكلمه لن يمحى ولن يزول في ظل فتح ملفات «التحقيق» التي تتواصل وسط «توجس» من إصدار «أحكام» ذاتية تستند على «أمزجة» القضاة وتعتمد على «سطحية» الأحكام، وقد تتدخل فيها احتيالات المحامين، ومن يدري فقد يكون هنالك العديد من الخفايا لنرى حكماً بالسجن لسنوات أو المؤبد وسط ثغرات «بائسة» دائماً ما تكون حاضرة في «الدستور» البشري، ولكن الأمر يقتضي الاحتكام إلى القرآن الكريم وحكم الشريعة الإسلامية الذي يفصل بالحق ويقطع بالدليل ويصدح بالعدل، ولعلها تكون انطلاقة للقضاء اللبناني بأن يعود إلى مصادر الشرع في مثل هذه القضايا التي لا تحتمل لغة الاحتمال أو التأجيل أو التساهل أو التخاذل.
رحلت «لين» صاحبة «الوجه» الملائكي ضحية الإهمال الأسري والانفصال الاجتماعي والكبت «المفروض».. ماتت بجرم «الاغتصاب» و»التعدي» و»الجناية» و»القسوة» و»العنف» لتنجو من «مستنقع «حياتي موبوء بالجريمة».. ذهبت إلى ربها وهو الأرحم بها لتكون إلى جواره بعد أن اغتيلت براءتها وقتلت وسط «وجوم» طغى على العالم بأسره.. ارتحلت ولملمت معها «دموعها» و»آلامها» و»حزنها» و»قهرها» لتفضي روحها لبارئها على يد «مجرمين» تعددت إداناتهم وتمددت قضاياهم..
تبارت «وسائل الإعلام» وانتفضت الفضائيات وانشغل العالم بلين طالب وليتها تعلم كم هو حجم «الالتفات» عليها ومدى «الحزن» بشأنها وأفق «اللوعة» لرحيلها، وجاءت البرامج متفقة في إقامة «المأتم» ونصب سرادق العزاء على «الشاشات» واتفق الجميع على «إيقاع» أقسى العقوبات دون أي منفذ للرحمة أو «التأجيل» أو «التسويف» بشأن طفلة بريئة قضت نحبها غدراً وتعدى عليها أقارب وسط أماكن تحولت من مواقع إيواء واحتواء إلى مسارح جريمة وجناية.
رحلت لين في أيام معدودات ولكن «ما خفي كان أصدم»، فمن يدري أنها كانت تعاني من صدمات «التحرش» وهجمات «التعدي» منذ وقت سابق وكيف لقلب بريء ونفس خائفة أن تقابل هذا الغدر وأن تواجه هذا الاعتداء!! ولو أنها ظلت حية ترزق ماذا كان مصيرها في سنوات قادمة وكيف لها أن تعيش في بيئة «جناة» بلا رحمة ودون آدمية!!.
هنالك أكثر من «لين» في جنبات هذا العالم وفي أقاصي البيوت أطفال أبرياء يقعون ضحية «الاغتصاب» أو «التحرش»، وكم من المراهقين والمراهقات وحتى من هم في عمر «الشباب» يعانون من تداعيات مؤلمة ومحزنة من تحرش وتعدٍ في الطفولة تحولوا بسببه إلى «مرضى» نفسيين أو عقليين أو حتى مجرمين من خلال حيل دفاعية وتفريغ لعقد نفسية وصدمات اجتماعية وخبرات مؤلمة استعمرت دواخلهم لعقود دون رحمة فظلوا ضحايا لأنين «الكبت» وألم «الكتمان».
في العديد من المنازل «ذئاب» بشرية ومجرمون أحرار تحت غطاء «العائلة» أو رداء «الأقارب» يتربصون «الدوائر» بالأطفال وسط قضايا طلاق أو عنف أو غفلة تحت مظلة «الاجتماعات» الأسرية، وكم من أطفال أبرياء يعانون ويكبتون ويكتمون، وكم من آخرين وقعوا في «مصائد» تلك الجرائم ببراءة الطفولة وخوف الصغر والأمن للقريب!!
في أوساط المجتمعات وفي داخل العائلات هنالك مجرمون يتم كشفهم ومعرفة سوءاتهم ومنهم من تثبت إدانته في التحرش أو الاعتداء إلا أنهم يظلون «أحرارًا» تحت «ستار» الوقاية العائلية!!.. وهنالك أسر تعلم أن بينها شباب مدمنين وآخرون أصحاب سوابق ونوع معتل نفسياً وسلوكياً أو مسنين يعايشون «المراهقة»، فأين أرباب تلك الأسر وأصحاب القرار فيها من إبعاد وعزل هذه النماذج السيئة عن محيط الأبناء.
ثقافة الطفل ووعيه بالتحرش والاغتصاب وتثقيف الأمهات لأبنائهن بذلك وفتح «حوار» مفتوح معهم في هذا الاتجاه منذ سنوات العمر الأولى مع وجود خطوط ساخنة في الجهات الأمنية لتلقي البلاغات والتحرك العاجل لها وعزل الأطفال عن الكبار في مساحات «الخلوة» أو ساحات «الاستدراج» كفيلة بمواجهة هذا الظاهرة في وقت يجب أن تسعى وزارات التعليم وقطاعات التربية إلى وضع «مناهج» دراسية أو أخرى ضمن الأنشطة لتعريف وتثقيف الطلاب والطالبات وإقامة جسور من التواصل بين المدارس والأسر لمواجهة هذه القضية التي باتت «ظاهرة» على مستوى العالم..
وعلى وزارات التعليم والداخلية والصحة وقطاعات حقوق الإنسان ومجالات رعاية الطفولة وجهات مكافحة الجريمة في كل البلدان أن تعقد ورش العمل والندوات والمحاضرات وأن تكثف من العمل الوقائي في هذا الجانب، وأن يكون هنالك تنسيق وترتيب وتواصل واتفاقيات بين الجهات المعنية لمنع تكرار هذه الحوادث الأليمة..
إلى جنان الخلد يا لين.. أسأل الله أن يعوضك عن طفولتك بالنعيم وأن يبدل شقاءك سعادة وأن يقتص وينتقم من كل طرف في هذا الجريمة البشعة سواء أمك أو جدك أو كل مدان، ونحن في انتظار أن يقول القضاء كلمته بالحق وأن يوظف حكمه بالعدل وأن يطفئ «حرقة» قلوبنا عليك.