سهوب بغدادي
انتشر مقطع حديث على مواقع التواصل الاجتماعي لشاب يافع يتحدث عن عدم ثقة أهله به، وشكوكهم المثارة حوله بالرغم من عدم إقدامه على الفعل الذي حرك الشكوك في قلوبهم، وقال «لا تشك فيني، إذا أنت كذا كذا شاك فيني، ليش ما أسوي الشيء، والنتيجة واحدة وهي أنك شاك فيني في الحالتين؟» بلا شك أن مقولته أثارت حفيظة الكثير من الأشخاص، باعتبار أن من يتحدث عنهم هما الوالدان خلال تربيتهم لأبنائهم، وأتفهم رد الفعل والاستنكار على الشاب لأن أخطاء الوالدين التربوية يجب أن تكون سرًا، لأن الخطأ خلال التربية أمر وارد، وشائع الحدوث مع أغلب الأهالي، خاصة الذين ينتمون إلى حقبة زمنية قديمة، ولم يتوافر لديهم المعلومات اللازمة التي نعاصرها في عصرنا المعلوماتي، قديمًا وإلى زمن غير بعيد، كانت التربية عبارة عن اجتهادات ومحاكاة لما مر به المربي في طفولته، أو سمع عنه وقرأ في الوسائل التقليدية، التلفاز، والمذياع، والصحف والمجلات، والكتب المختصة، ولم تكن المحتويات متوافرة «خلال اللحظة» و»بكبسة زر»، إنها ليست محاولة للتبرير للأهالي اللذين مارسوا العنف والضرب والتسلط والتحكم والمقارنات، والأساليب التي لا تعد ولا تحصى آنذاك، فيبقى الخطأ خطأً في كل الأزمنة والأماكن، ولكن طرق مشاركة الخطأ مع الآخرين على العلن هو الأمر الخاطئ بحد ذاته، فأول خطوة لازمة في هذه الأحوال هي معرفة نوع الخطأ الذي وقع من الأهل على الطفل من ثم محاولة الوعي به وبأساليبه، وما إذا كان مستمرًا إلى مرحلة البلوغ أم انتهى بمجرد انتهاء مرحلة الطفولة، وهل لا يزال الأسلوب معتمدًا على أخوتي الأصغر سنًا أم لا، وعلى الأغلب فإن الإخوة الأصغر لن يواجهوا ذات الأخطاء والشدة والحدة نظرًا لكبر عمل المربي وزيادة خبرته وتجنبه ما حدث سابقًا، لذا يرى يقارن البعض الأسلوب القاسي بما يحدث مع إخوته من ذات المربي، يصاب بالحسرة والحيرة أكثر، لماذا أنا؟ ما ذنبي أني ولدت قبلهم؟ في هذه المرحلة يعد التسامح والتقبل أهم عاملين للمضي قدمًا، إن المشكلة التي يطرحها الشاب في اللقاء ليست مشكلة شك فقط، إنما سلسلة من أساليب التربية وعلاقة ذات ملامح بين الطفل وأهله، وأرجو ألا تكون هذه الملامح مستمرة ومؤصلة فقط هذا الشخص حتى في كبره، ومن هنا، ننطلق إلى زاوية أخرى عامة للموضوع، لماذا يأتينا الشك تجاه شخص سواء ابن، أو صديق، أو زوج؟ أو يأتينا انطباع مسبق عن شخص ما ونقوم بالتعامل معه بنءً على ذاك التصور الذي رسمناه في مخيلتنا دون تفنيد الشعور أو دعمه بما يؤكده؟ هذا الأمر يعد موطن أغلب الخلافات في التعاملات اليومية، فلان شكله متكبر، فلانة نفسية، وتمتد الادعاءات، ليتفاجأ الشخص من خلال موقف أو كلمة أن فلان متواضع وفلانة حبيبة، وأن ما حدث هو مجرد سيناريو مختلق في دماغه، فلا نجعل حياتنا وتعاملاتنا مرهونة بالسيناريوهات، بل اجعلها حقيقية، هناك مقولة معروفة تتسق مع موضوعنا لليوم وهي: «بين منطوق لم يُقصَد، ومقصود لم يُنطَق، تضيع الكثير من المحبة» «جبران خليل جبران».