د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
استجابت غالبية الدول الأوروبية للضغوط الأمريكية وقللت اعتمادها تمامًا على وارادات الطاقة من روسيا، بل أرادت أمريكا الضغط على الدول السبع الالتزام بالعقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية مثل سقف السعر عند 60 دولاراً للبرميل الذي دخل حيز التنفيذ في نهاية 2022، لكن اليابان العضو في مجموعة السبع تشتري الخام الروسي بأعلى من سقف السعر المفروض، كما ارتفعت وارداتها من الغاز الطبيعي الروسي في الآونة الأخيرة بعدما حصلت اليابان على استثناء من الولايات المتحدة لتأمين واردات الطاقة التي يحتاجها اقتصادها بحسب صحيفة وول ستريت جورنال.
فاليابان الوحيدة التي لم تقدم سلاحاً لأوكرانيا للحفاظ على علاقتها مع موسكو واستمرار توريد النفط والغاز منها مبرراً رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا بسبب قيود تفرضها الحكومة اليابانية رغم أن انعقاد قمة مجموعة السبع التي عقدت في هيروشيما أكدت اليابان مع بقية المجموعة على التضامن مع أوكرانيا.
تعتبر اليابان أن الكميات التي تستوردها خارج هذا السقف ليست كبيرة مقارنة مع الصادرات الروسية بملايين البراميل يومياً ما تمثل ثغرة خشية أن تنتهي مدة الاستثناء خصوصاً أن أزمة روسيا مع الولايات المتحدة مستمرة وليس معروفًا أمد حلها، خصوصاً أن الولايات المتحدة ترى أن العقوبات على روسيا ضعيفة وليست فعالة، بسبب أن الدول الأوروبية لا يزالون يشترون مشتقات مكررة عن طريق طرف ثالث، فالنفط المكرر الروسي يصل إلى بريطانيا من الهند من مصفاة جامناغاز وهي من أشد الدول التي تعادي روسيا وتقف إلى جانب أوكرانيا.
فعلى اليابان أن تلجأ إلى أكبر بلد نفطي في العالم بل وقائد قاطرة النفط في العالم وهي السعودية من أجل ضمان إمدادات طاقة مستمرة إلى اليابان التي تفتقر إلى موارد الطاقة، لأن اليابان يعتبر أمن الطاقة أولوية لها، والسعودية أكدت لليابان أنها ملتزمة بتزويد اليابان بالنفط، وقد أكد ذلك سمو الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة أن السعودية مستمرة في تحقيق أمن الإمدادات البترولية لليابان من خلال تخزين البترول الخام السعودي في مرفق الخزن الإستراتيجي في جزيرة أوكيناوا، وفي 2021 كانت السعودية أكبر مورد لليابان بنحو 40 في المائة من احتياجاتها.
هناك طموحات بين البلدين في مجال الطاقة النظيفة، لذلك قرر الجانبان تأسيس مبادرة منار للتعاون في مجال الطاقة النظيفة التي ستكون بمثابة منارة تسترشد بها الدول والأقاليم الأخرى من العالم في سعيها نحو تطوير إستراتيجياتها وخططها لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى الحياد الصفري، مستفيدة السعودية من كونها الأقل تكلفة عالمياً في إنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف، وكذلك من موقعها الإستراتيجي على طرق تصدير منتجات الطاقة إلى العالم، واليابان دولة رائدة عالمياً في حلول تقنيات الطاقة النظيفة، يعزز ذلك في أن تصبح السعودية مركزاً للطاقة النظيفة والثروات المعدنية وسلاسل إمداد مكونات الطاقة.
حيث تعد الموارد الأرضية النادرة ضرورة للتخلص من الكربون وإنتاج سيارات كهربائية على وجه الخصوص، حيث تهدف اليابان إلى أن تكون خالية من الكربون بحلول 2050 كما تحاول السعودية جاهدة تنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط كدخل وحيد، وبحث إقامة مشروعات تنموية مشتركة في دول أخرى وبشكل خاص فيما يتعلق بالمعادن النادرة، خصوصاً أن اليابان الشريك الثالث للسعودية، ونحو 110 شركة يابانية تعمل في السعودية.
ستساعد اليابان في تسريع تطوير المواد التي يجري تعدينها حاليًا في السعودية وتحديداً النحاس والحديد والزنك، وسبق أن وقع البلدان في 25 ديسمبر 2022 مجمعتين من اتفاقيات التعاون في مجالات الهيدروجين والأمونيا وإعادة تدوير الكربون، كما يشمل التعاون تسريع نشر أنواع الوقود منخفضة الكربون، مثل الوقود الاصطناعي والغازي والميثان والوقود المشتق من ثاني أكسيد الكربون والميثانول، إذ تم نقل أول شحنة أمونيا زرقاء في العالم 2020 من السعودية إلى اليابان لاستعمالها في توليد الكهرباء.
تتسم العلاقات السعودية اليابانية بشراكة إستراتيجية ورؤية مشتركة وهي إحدى أهم العلاقات الدولية التي سادها الإخلاص والصدق والالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه، وستضيف الشراكة الجديدة عناصر جديدة تتمركز وتتمحور حول تحول الطاقة والمناخ وصناعة المواد المتقدمة والبطاريات وأشباه الموصلات، وهي بمثابة تقنيات ابتكارية جديدة سيحول السعودية إلى محور في الشرق الأوسط وقاعدة لإمداد العالم بالطاقة النظيفة تتطابق مع مبادرات أطلقها سمو ولي العهد في قطاع الطاقة والتعامل مع تغير المناخ وأيضاً مع مبادرات مثل مشروع نيوم الهيدروجين ومشاريع أرامكو.
مفتاح نجاح العمل في المرحلة المقبلة هو لجنة الرؤية السعودية اليابانية لعام 2030 وعدد مبادراتها 88 مبادرة ومجموعاتها الفرعية تعمل تحت هذه اللجنة 5 مجموعات تترجم إمكانات البلدين للوصول إلى نتائج ملموسة، إذ وقع البلدان على 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون مشتركة في مجالات متعددة تتنوع بين الطاقة المتجددة والفضاء والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.