منذ قديم الزمن، والإنسان يؤمن بنظرية تغير الأشياء، حيث إن الأشياء لا تبقى على حالها للأبد، لا شيء يبقى على حاله حتى الشمس ستكسر القانون يوما وتشرق من الغرب لتعلن النهاية، وكل بداية لها نهاية.
الليل والنهار يتعاقبان، والفصول تتوالي، والسنون تمر، والعمر يمضي، والصغير يكبر، والكبير يهرم، والشباب ينسحب، والصحة تضعف، واللقاء يعقبه الفراق، ولا يرتفع شيء إلا حفض. تهب رياح التغير على كل الأشياء والظروف، ومع ذلك نحزن كثيرا عندما يتغير علينا الأصدقاء وتتغير ظروفنا النفسية أو المادية أو أي تغير يأتي من أي نافذة من نوافذ الحياة.
والحياة تمنح لنا دروسا كثيرة في كل يوم من الأيام، لكننا في كل مرة نخادع أنفسنا أكثر مما سبق، ونعتقد بعكس الحقائق التي يجب علينا أن ندركها بحكمة، والحياة مثل البيانو لها المفاتيح السوداء، وهي ترمز للحظات الحزن والمفاتيح البيضاء ترمز للحظات السعادة وكلاهما تلعبان معاً لتعطي موسيقى جميلة، ولا يكتمل لحنها فقط بالمفاتيح البيضاء.
الزمن يغيّر الأشياء، والإنسان يلوم الزمن إنه غيّره أو غيّر الناس من حوله إلا أنه هو الذي غيّره نفسه وهو الذي اختار التغيير، وليس بالضرورة أن يكون التغيير سلبياً، بل غالباً ما يكون التغيير إيجابياً في الكثير من أمور الحياة. التغير هو المحرك الوحيد في حياة المجتمعات الإنسانية على تعددها واختلافها، والتغير خلال مراحل حدوثه لا يمر دون أن يترك نتائجه الاجتماعية على جميع المستويات.
ولا يحدث التغير في الأشياء وفي الحياة فجأة أو دفعة واحدة بل تظهر معالم بداياته وذروته على المستوى السلوکي والفکري للأفراد، کما أن استجابات الأفراد والمؤسسات تختلف درجاتها باختلاف منظومة القيم والمعايير التي يتبناها الأفراد وتتحدد بموجبها علاقاتهم الاجتماعية أو تبنى على أساسها قواعد السلوك الفردي والجماعي.
التغير سنة من سنن الكون والحياة، التغيير يجدّد الحياة ويضيف الحيوية عليها كما يجعل كل ما حولنا مما ينعكس على نفسيتنا، وللتغير أثر نفسي عظيم على عقل الإنسان، فهو تهديد للخائفين لأنهم يشعرون أن الأمور ستزداد سوءاً، ومشجع للمفعمين بالأمل لأنهم يشعرون أن الأمور ستتحسن، وملهم للواثقين من أنفسهم لأن التحديات هي وسيلة لجعل الأمور أفضل.
لا توجد شجرة لم يهزها ريح، ولا يوجد إنسان لم هزه فشل، ورغم مع ذلك توجد هناك أشجار صلبة ويوجد أشخاص أقوياء. لقد مُنح الإنسان عقلاً، وخُلق إنسانًا ليكون خليفة في الأرض يعمّرها ويبنيها ويجعل من العالم مكانًا أفضل. يقول الشاعر الكبير محمود درويش، ولا شيء يبقي على حاله، للولادة وقت، وللموت وقت، وللصمت وقت، والنطق وقت، وللحرب وقت، وللصلح وقت، وللوقت وقت... فلا شيء يبقى للأبد، كل شيء يتغير مع مرور الوقت حتى الأشخاص.. الظروف.. والمشاعر..
**
*الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة عالية،كولكاتا - الهند/ merajjnu@gmail.com