لا أملُّ من سماع الحديث عن جوانب من سيرة الإمام الصالح والملك العادل عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.
وقد أدركتُ بعض علمائنا يصفه بالمجدد, فقد جدد الله به الدين, ونصر به التوحيد والسنة, وكان إماماً صالحاً, وحاكماً عدلاً, مع ما رزقه الله من عقل راجح, ونظر ثاقب, وذكاء مفرط, وزكاء ظاهر, وتعبد واضح, وحسن سيرة وحكمة, ورحمة بالرعية, وإحسان ورفق بالمسلمين, ونصح وشفقة على الناس, وغيرها من الصفات الحميدة, والشمائل النبيلة, والشيم الأصيلة, والمكارم الحسنة, والفضائل الجميلة, صفات اجتمعت في الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن أورثه الله الجنان بفضله ورحمته فهو سبحانه الكريم المنان.
كان الملك عبدالعزيز رحمه الله صاحب دعاء وورد وإخبات وقيام ليل, حدثني شيخنا الجليل العلامة صالح بن فوزان الفوزان متعه الله بالصحة والعافية أن أحد جماعته كان مع الملك عبدالعزيز في عدد من سفراته, فقال: كنتُ أرى المجمرة والطيب يفوح منها الساعة الثانية ليلاً تُدْخَلُ إلى خيمة الإمام عبدالعزيز فيتطيب بها, ثم يطيب حامل المجمرة الخيمة ثم يشرع الإمام رحمه الله في صلاة الليل إلى قبيل طلوع الفجر.
وحدثني الشيخ أحمد بن عبدالعزيز الجماز حفظه الله عن والده رحمه الله أنه قال: كنتُ مع الإمام عبدالعزيز في حرب السبلة, وكنتُ ممن يحرس خيمة الإمام تلك الليلة, فما أخطأتْ أذني صوت الإمام عبدالعزيز رحمه الله طول الليل بين صلاة وتضرع وبكاء ودعاء «أن يحفظ الله دينه ويطفئ الفتنة», حتى بزغ الفجر.
وحدثني الشيخ الفاضل محمد بن حمد العويِّد حفظه الله أنه سمع الشيخ فيصل أبوثنين السبيعي في مجلس الشيخ الزاهد فهد العبيد رحمهما الله يقول: كنتُ في المطاف في الحرم بعد هوي من الليل, فرأيتُ الإمام دخل المطاف فطاف, ثم توجَّه إلى مقام إبراهيم, وكنتُ حينها مستلقياً عند المقام, فشرع في الصلاة, فسمعتُه يدعو وكان يقول في دعائه:(اللهم إن كان هذا الملك خيراً عليَّ وعلى ذريتي وعلى المسلمين فقدِّره لي ويسِّره عليَّ, وإلا فاصرفه عني واصرفني عنه).
رحمه الله من إمام قد كان مُلْكه ومُلك ذريته من بعده خيراً على المسلمين, فقد جمع الله به القلوب, وأمَّن به البلاد, وانتشر العلم, وانتفع الناس, وقامت المملكة العربية السعودية خير قيام في الدين والدنيا, فنافست أقوى الدول, وسابقت حكومات العالم, فاللهم احفظ على بلادنا خيرها الديني والدنيوي, ووفق ولاة أمرنا لكل خير, واغفر للإمام عبدالعزيز وأجداده وذريته واجزهم عنا خير الجزاء.
حدثني الصديق العزيز الشيخ أ.د. أحمد بن حمد بن عبدالعزيز الونيِّس حفظه الله عن أبيه عن جده رحمهما الله أن جدَّه صحب الملك عبدالعزيز في أسفاره ثماني سنين, يقول: فما رأيتُ الملك عبدالعزيز أُذِّن للفجر يوماً وهو نائم على فراشه.
وحدثني الشيخ محمد العويِّد حفظه الله رواية عن الشيخ فهد العبيد رحمه الله أن الأمير عبدالله بن فيصل الفرحان آل سعود رحمه الله حدَّثه عن حرب الرغامة وما كان فيها من تعب ونصب, وأنه توقَّظ في ليلها: فرأى الجيش مما لحقه من تعب وإرهاق بالنهار, يغط في النوم بالليل, ولم أر أحداً قد فارق فراشه إلا الإمام عبدالعزيز رحمه الله, فقد رأيته قائماً يصلي.
لا مُتْرَفاً إنْ رخاءُ العيشِ ساعَدَه
ولا إذا عَضَّ مَكْروهٌ بِه خَشَعا
لا يَطْعَمُ النَّوْمَ إلا رَيْثَ يَبْعَثُهُ
هَمٌّ يكادُ شَباهُ يَفْصِمُ الضِّلَعا
مُسَهَّدُ النَّوْمِ تَعْنيهِ أمورُكُمُ
يَرومُ مِنْها إلى الأعْداءِ مطَّلَعا
مازالَ يَحْلُبُ هَذا الدَّهْرَ أشْطُرَه
يَكونُ متَّبِعاً طَوْراً ومتَّبَعا
ويقول الشيخ صالح بن محمد العثمان العرف رحمه الله وهو ممن شارك في حرب السبلة والرغامة: (كان الملك عبدالعزيز يقوم بالصلاة ويقرأ القرآن معظم الليل).
والملك عبدالعزيز كان لا يمل من قراءة القرآن وسماعه, فقد ذكر الشيخ عبدالله خياط إمام الحرم المكي رحمه الله في كتابه «لمحات من الماضي» في مواضع عديدة طَلَبَ الملك عبدالعزيز أن يُقرأ القرآن في مجلسه, بل ربما طلب في المجلس الواحد أن يقرأ مرة ثانية.
لم أستقصِ الحديث عن تهجُّد الإمام الصالح والملك الفذ رحمه الله وقيامه في الليل, وإنما هذه أحاديث اجتمعت عندي اتفاقاً من مشايخ رووها كما سمعوها, فأحببتُ تقييدها ونشرها لعل أحداً ينشط لجمع المزيد حول عبادة هذا الملك الإمام رحمه الله.
كما أني أردتُ التنبيه والتأكيد على الاعتناء بالعبادة خاصة قيام الليل, والإقبال على الله, وعلى قراءة كتابه, فانظروا إلى هذا الإمام رحمه الله مع مشاغل الملك وسياسة الناس, وأثقال الحروب, وأنواع المشاق واللغوب, لم يترك قيام الليل والإكثار من قراءة القرآن.
همة عالية.
وعزمٌ صحيح لو ضربت بحده
شماريخ رضوى لا نحططن إلى التُّرب
فرحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين أعظم الجزاء وأحسنه.
ولا يخفى أن دارة الملك عبدالعزيز تقوم بجهد مذكور مشكور, ولعلها تصدر موسوعة متكاملة عن الملك عبدالعزيز رحمه الله تجمع ما تفرق مما كُتب حول الإمام رحمه الله مما أصدرته أو كتبه أهل التأليف والتأريخ.
فإن الملك عبدالعزيز رحمه الله أعجوبة زمانه سيرة وسياسة.
**
* أستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء