خالد بن حمد المالك
أصبحت المملكة بحكم الواقع إحدى واجهات العالم المهمة سياسياً واقتصادياً وأمنياً ورياضياً وكل شيء استعصى حلّه عالمياً تكون المملكة هي المكان المناسب لاحتوائه، فحياديتها، ومواقفها المعتدلة، وإمكاناتها الكبيرة، وتاريخها المشرق، يجعلها الوجهة المناسبة لانطلاق الحلول منها لأي مشكلة، وتنظيم المباحثات على أعلى المستويات الثنائية والجماعية لتحقيق المزيد من التعاون وصولاً إلى تعزيز السلم والاستقرار والأمن عالمياً.
* *
لن نتحدث عن الماضي بكل إيجابياته، وبجميع نتائجه السارة، وعن حجم العمل، وكثرة الملفات، وعدد القضايا، وما إلى ذلك، وإنما سيكون حديثنا على ما حدث هذا الأسبوع فقط، وإلى ما يجري الآن بوصفه مثالاً حياً على مصداقيتنا على ما نقول، وعلى أننا لا نبالغ، ولا نهوّل الأمور، ولا نعطيها أكثر مما يجب، كوننا أمام مشاهد، وأحداث، ومعطيات، وقرارات، الجميع على علم ويقين بها.
* *
فقد زار رئيس وزراء اليابان المملكة وعقد مباحثات مع سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وتم التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات في مختلف النشاطات، ومثله زار المملكة الرئيس التركي وأجرى مباحثات هو الآخر مع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، وتم توقيع اتفاقيات تعاون بين البلدين، وعلى هامش الزيارتين تم تنظيم ورش عمل ضمت لجاناً حكومية وخاصة من المملكة وكل من تركيا واليابان، تكريساً وتنشيطاً، وتفعيلاً، للعلاقات بين الرياض وطوكيو وأنقرة.
* *
وها هي المباحثات بين طرفي النزاع في السودان الشقيق تتوارد الأخبار عن أنها سوف تستأنف من جديد في جدة استكمالاً للجهد السعودي لتطويق الأزمة، والوصول إلى حلول تنقذ السودان من ويلات الحرب، وتمنع التدخل الخارجي في المشكلة، وتحول دون تطورها إلى حرب أهلية، أو قتالٍ بين القبائل، على أساس عنصري قبلي، بعيداً عن مصلحة السودان وشعبه، وهو ما حرصت عليه المملكة منذ بداية القتال، وكان موقفها على مسافة واحدة من الطرفين، ما جعلها مقبولة في حسم النزاع من الطرفين.
* *
وبعد ذلك، وضمن هذا السياق في دور المملكة البارز في استضافة القمم العالمية والإسلامية والعربية والإقليمية، ها هي تقود على أراضيها قمة بالغة الأهمية، وأعني بها اللقاء التشاوري الـ18 لقادة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما له من أهمية في تعزيز العمل الخليجي المشترك، وبحكم دور المملكة القيادي في ذلك، بهدف تبادل وجهات النظر حول مستجدات القضايا الإقليمية والدولية، حرصاً على خدمة مصالح دول ومواطني مجلس التعاون الخليجي.
* *
ولم تكتفِ المملكة بذلك، وإنما نجحت في استضافة اجتماع مهم بجميع دول مجلس التعاون الخليجي مع دول آسيا الوسطى (C5) بالتزامن مع اللقاء التشاوري، وذلك حرصاً من الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد بن سلمان على توثيق العلاقات بين دول المجلس ودول آسيا الوسطى (C5) ورفع مستوى التنسيق بينها حيال الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك، وهي القمة الأولى من نوعها، ما يعني انفتاح دول مجلس التعاون على الشراكات مع التكتلات الفاعلة في المجتمع الدولي.
* *
هناك روابط مشتركة تجمع دول مجلس التعاون بدول (C5) أهمها أنها دول إسلامية، ولها عضوية في منظمة التعاون الإسلامي، وتجمعها قيم مشتركة وروابط تاريخية، كما أنها تمتلك موارد كبيرة من النفط والغاز تؤهلها للعب دور مؤثر في أمن الطاقة العالمي، وبالتأكيد فإن عقد الاجتماع بالمملكة يظهر تقدير هذه الدول للمملكة بحكم أهميتها خليجياً وإسلامياً وعربياً ودولياً.
* *
هذا الاجتماع يؤكد على نجاح رؤية خادم الحرمين الشريفين في تعزيز العمل الخليجي المشترك، وفي تفعيل الدور الإستراتيجي لمجلس التعاون، خاصة مع إسهام ولي العهد في دعم تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وما عمله سموه من جهد في تجاوز العديد من التحديات والأزمات التي واجهتها دول المنطقة، ما شجع دول المجلس على العمل في إطار منظومة متكاملة ومتناغمة في علاقاتها الإقليمية وشراكاتها الدولية، تحت مظلة المجلس، ضمن توجهها نحو تحقيق المزيد من الإنجازات من خلال العمل الخليجي المشترك.
* *
ولا حاجة لي إلى التذكير بالقمم العربية والخليجية والإسلامية التي عقدت مع رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية والصين، خلال الأشهر السابقة من هذا العام، وما أسفرت عنه من نتائج رحبت بها كل الأطراف، وثمنت للمملكة دورها القيادي الفاعل في الساحات الإقليمية والدولية، بما يظهر عزم المملكة على تطوير آليات العلاقات بين دول مجلس التعاون مع الدول العربية ودول العالم، بسياسة حكيمة عاقلة ومعتدلة يقودها الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.